د. ليلى نقولا الرحباني
ينتظر الكثير من السياسيين
والمحللين في العالم والمنطقة كيف سيتعامل فلاديمير بوتين مع القضية الاوكرانية
للقياس على كيفية تعامله مع القضية السورية، خاصة في ظل الهجمة المرتدّة التي
انتهجها الغرب في القضيتين في ظل انشغال بوتين بالالعاب الاولمبية الشتوية
والتهدئة التي حاول فرضها خلال تلك الالعاب.
ولعل السياسة الغربية في كل
من اوكرانيا وسوريا أظهرت بشكل واضح أنها أرادت استغلال الموقف في كل من اوكرانيا
وسوريا، ولكن ها هي الالعاب الاولمبية في سوتشي قد انتهت، وتحرر بوتين من سياسة
التهدئة وبات بامكانه أن يتوجه بسياسة انتقامية عقابية في القضايا التي يعتبر انه
حصل فيها تعدٍ على مصالح روسيا خلال تلك الفترة.
في اوكرانيا، تطورت الامور
الميدانية بشكل دراماتيكي ما دفع بالرئيس الاوكراني الى صدام مع المحتجّين،
وبالتالي قبول تسوية سرعان ما التف عليها الغرب دافعًا أنصاره الى التهديد بانقلاب
عسكري، أدّى الى هروب الرئيس الاوكراني من البلاد وعزله من قبل البرلمان الاوكراني،
الذي دفع الأمور الى تحدي الروس بشكل مباشر من خلال الاجتماع يوم الأحد - في
استعجال غير مبرر- ليصوّت على قرار يلغي بموجبه وضع اللغة الروسية في أوكرانيا باعتبارها
لغة وطنية ثانية في نصف البلاد تقريبًا، كما يمنع بث القنوات غير الناطقة باللغة
الاوكرانية، مما يؤشر الى محاولة تضييق على المواطنين الروس الذين يعدّون أغلبية
في جنوب وشرق البلاد، وحرمانهم من حقوقهم الثقافية كمجموعات.
أما في سوريا، فقد حاولت
الولايات المتحدة الأميركية ومعها الاوروبيين ان يدفعوا بقرار جديد في مجلس الأمن،
مستغلّين توقيت انشغال بوتين لتمرير قرار "إنساني" في مجلس الأمن أرادوا
منه أن يكون نافذة لتدخل عسكري في سوريا، أو لتمرير السلاح الى المسلحين وفك
الحصار عنهم في بعض المناطق المحاصرة، إلا أنهم فشلوا في ذلك، فتمّ اقرار القرار 2139
في مجلس الأمن بدون عقوبات تلقائية أو تدابير تلقائية ضد الحكومة السورية في حال
عدم تنفيذه. وبالتزامن، سرت أخبار وتقارير تمّ تسريبها الى الصحافة عن الاستعداد
لفتح جبهة جديدة في الجنوب السوري على الحدود المشتركة مع الأردن، لشنّ حرب نفسية
على النظام السوري والقول ان موازين القوى الميدانية ما زالت لصالح المعارضة السورية
المدعومة من الغرب الذي سيستغل انشغال بوتين بهجوم على دمشق وإطاحة النظام السوري
كما أطاح بالرئيس الاوكراني.
لكن، ما لم يحسب له الغرب
حساب، هو أنه استطاع أن يربح جولة في اوكرانيا ولكنه لا يستطيع أن يربح الحرب؛
فالتاريخ والجغرافيا والديمغرافيا تجعل من أوكرانيا امتداد طبيعي لروسيا، ويمتلك
الروس مفاتيح عدّة للتأثير والضغط على اوكرانيا، وبيدهم القدرة على انتشال
اوكرانيا من الهاوية الاقتصادية، أو التسريع في انهيارها كليًا لتصبح دولة مفلسة بكل
معنى الكلمة علما أن الاتحاد الاوروبي يبدو عاجزًا أو غير قادر على إنقاذ اوكرانيا
إلا بواسطة صندوق النقد الدولي الذي سيدفع السلطات الاوكرانية الى اعتماد سياسات
تقشفية مؤلمة في الداخل، قد تدفع الى مزيد من عدم الاستقرار السياسي. بالاضافة الى
الاقتصاد، يمتلك الروس الكثير من القدرات السياسية والجغرافية والديمغرافية التي
تسمح بالحفاظ على وحدة اوكرانيا أو تفكيكها.
وكما في اوكرانيا، كذلك في
باقي بلدان العالم تغلب السمة الارتجالية على سياسات الغرب والأميركيين، فهم
يكتفون بما يحصدونه اعلاميًا او بما يستطيعون أن يسببوه من عدم استقرار في المناطق
التي يتدخلون فيها، ولكن التجارب أثببت أنهم باتوا أعجز من أن يستطيعوا تقديم حلول
متكاملة والسير بالبلدان التي يتدخلون فيها الى تأسيس مؤسسات ديمقراطية فاعلة
ومستقرة، فها هو العراق تركه الاحتلال فريسة للارهاب وعدم الاستقرار الأمني
والسياسي والفساد، وها هي افغانستان ستُترك لمصيرها يتنازعها الفقر والعوز والارهاب
وقد يؤدي الى عودة طالبان الى الحكم، وها هي ليبيا ومصر.... أما في سوريا، فحدث
ولا حرج، دخل الغرب والعرب في حرب على سوريا لا يستطيعون الانتصار فيها، ولا
يعرفون كيف ينهونها، ومجرد الحديث الغربي بأن السيناريو الاوكراني يمكن أن ينسحب
على سوريا، يدل على جهل قائله، وعدم معرفته بخصوصيات منطقة الشرق الأوسط، وتشعبات
الارهاب فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق