2014/03/26

رسائل اقليمية ودولية عبر ريف اللاذقية

د. ليلى نقولا الرحباني

تشي الأخبار المتضاربة حول سير المعارك في ريف اللاذقية، وانتشار صور المسلحين على الانترنت أنه يُراد لهذه المعركة في اللاذقية- مركز الثقل الأساسي للنظام السوري- أن تؤسس لواقع جديد في الحرب السورية، يمتد الى المشهد الاقليمي برمّته، ويوّجه رسائل في اتجاهات عدّة، ويمكن ابراز بعض مؤشراتها:
أولاً: إن الأخبار التي سرت عن تحالف الأضداد في هذا الهجوم، والتنسيق بين المجموعات المسلحة التابعة للسعودية وتلك التابعة لتركيا، يشير بما لا يقبل الشكّ أن القائد الفعلي الذي يحرّك هذا الهجوم هو الأميركي بنفسه لأنه الوحيد القادر على فرض التنسيق بين مجموعات مسلّحة تكفّر بعضها البعض، وقتلت بعضها البعض في معارك عدّة في سوريا.
وقد تكون الأهداف الأميركية من هذا الهجوم متعددة، منها:
أ- توجيه رسالة مباشرة الى الروس في منطقة نفوذهم» الأساسية في سوريا وعلى مقربة من قاعدتهم العسكرية البحرية في طرطوس بأن ما كسبوه بسهولة في قاعدتهم العسكرية البحرية الأخرى في القرم لن يمرّ بسهولة في سوريا.
ب- التعويض عن الخسائر التي منيت بها المجموعات المسلحة على الحدود اللبنانية السورية، ورفع معنوياتهم بعد انتشار تقارير تتحدث عن هجرة معاكسة للمجاهدين القادمين من الخارج.
ج- الحاجة الى انتصار ميداني يوظّف اعلاميًا على أبواب زيارة اوباما الى المنطقة ولقائه الملك السعودي في أواخر الشهر الحالي، في ظل حاجة الأميركيين لإبراز فائض قوة ما في منطقة باتت تتفلت من أيديهم وتنتقد السياسة الأميركية علنًا، ومن هؤلاء بعض الدول الحليفة للأميركيين كأفغانستان على سبيل المثال حيث أعلن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي تأييد بلاده لانفصال القرم عن اوكرانيا في تحدٍ واضح للسياسة الأميركية ولحلف الناتو المتواجد في بلاده.
ثانيًا: إن الدخول التركي العلني على خط المعارك الدائرة على حدودهم، وإسقاط الاتراك لطائرة سورية تبيّن أنها كانت ضمن الحدود السورية وليس التركية، كما قيام القوات التركية بقصف مواقع عدّة في الداخل السوري، وتأمين غطاء ناري للمسلحين، ثم توقف التدخل العسكري التركي فجأة في اليوم التالي يشير الى أن تهديدات دولية قد تعرض لها الجانب التركي، وقد تكون قد أتت من الاسطول الروسي بالذات في ظل أنباء عن قيام سفن حربية روسية متموضعة قبالة شاطئ طرطوس بالتحرك نحو الحدود التركية السورية قبالة اللاذقية، وهو ما قد يكون قد أدّى الى إعادة التركي الى صوابه. علمًا أن حزب العدالة والتنمية كان بأمسّ الحاجة الى ذلك التصعيد على الحدود مع سوريا، عشية الانتخابات المحلية لحرف الانظار عن الأوضاع الداخلية والتدهور في التأييد الشعبي الذي يعاني منه لأول مرة منذ عام 2002، بسبب السياسات التي اتبعها أردوغان في الداخل والمشاريع الاقليمية التي دخل فيها وخسر خسارة مدوية.
كما يكتسب الدخول التركي في تلك المعركة طابعًا مذهبيًا وطائفيًا، فالمنطقة التي يحاول أردوغان السيطرة عليها فيها مزيج من العلويين والمسيحيين وخاصة الأرمن الذين تمّ تهجيرهم قسريًا من تركيا الى سوريا ولبنان، بعد المذابح التي قام بها العثمانيون بحق أجدادهم، وقد يكون اردوغان بتعصبه الطائفي قد أراد أن ينتقم من الأرمن القاطنين في تلك المناطق وخاصة في منطقة كسب الحدودية، انتقامًا مزدوجًا؛ الأول لأنه يتهم الأرمن القدامى بالتمرد على أجداده، والثانية للانتقام من الأجيال الأرمنية الجديدة التي شوّهت صورة تركيا في العالم خاصة بعد نجاحها في كسب اعتراف الكثير من البرلمانات الاوروبية والكونغرس الأميركي بالابادة الارمنية،  التي ما تزال حيّة في الوجدان والسلوك الأرمني بالرغم من مرور ما يقارب المئة عام على حدوثها.
في المحصّلة، يبدو أن قدر السوريين أن يدفعوا ضريبة عن العالم أجمع، فالأزمة الاوكرانية والتوتر الأميركي الروسي بات يرخي بظلاله على الحرب في سوريا، فما قبل القرم ليس كما بعدها، والتسوية التي كان يؤمل تحقيقها نتيجة تفاهم روسي أميركي في المنطقة باتت أصعب من ذي قبل، وبالرغم من اعتراف الجميع أن لا حلّ عسكريًا في سوريا، إلا أن الميدان السوري يبقى هو الحَكَم والفيصل الذي سيحدد النتائج ومن يكسب ماذا، ومن يخرج من التسوية ومن يقطف ثمارها.


2014/03/02

من اوكرانيا الى الشرق الأوسط: سياسات ارتجالية وعاجزة


د. ليلى نقولا الرحباني
ينتظر الكثير من السياسيين والمحللين في العالم والمنطقة كيف سيتعامل فلاديمير بوتين مع القضية الاوكرانية للقياس على كيفية تعامله مع القضية السورية، خاصة في ظل الهجمة المرتدّة التي انتهجها الغرب في القضيتين في ظل انشغال بوتين بالالعاب الاولمبية الشتوية والتهدئة التي حاول فرضها خلال تلك الالعاب.
ولعل السياسة الغربية في كل من اوكرانيا وسوريا أظهرت بشكل واضح أنها أرادت استغلال الموقف في كل من اوكرانيا وسوريا، ولكن ها هي الالعاب الاولمبية في سوتشي قد انتهت، وتحرر بوتين من سياسة التهدئة وبات بامكانه أن يتوجه بسياسة انتقامية عقابية في القضايا التي يعتبر انه حصل فيها تعدٍ على مصالح روسيا خلال تلك الفترة.
في اوكرانيا، تطورت الامور الميدانية بشكل دراماتيكي ما دفع بالرئيس الاوكراني الى صدام مع المحتجّين، وبالتالي قبول تسوية سرعان ما التف عليها الغرب دافعًا أنصاره الى التهديد بانقلاب عسكري، أدّى الى هروب الرئيس الاوكراني من البلاد وعزله من قبل البرلمان الاوكراني، الذي دفع الأمور الى تحدي الروس بشكل مباشر من خلال الاجتماع يوم الأحد - في استعجال غير مبرر- ليصوّت على قرار يلغي بموجبه وضع اللغة الروسية في أوكرانيا باعتبارها لغة وطنية ثانية في نصف البلاد تقريبًا، كما يمنع بث القنوات غير الناطقة باللغة الاوكرانية، مما يؤشر الى محاولة تضييق على المواطنين الروس الذين يعدّون أغلبية في جنوب وشرق البلاد، وحرمانهم من حقوقهم الثقافية كمجموعات.
أما في سوريا، فقد حاولت الولايات المتحدة الأميركية ومعها الاوروبيين ان يدفعوا بقرار جديد في مجلس الأمن، مستغلّين توقيت انشغال بوتين لتمرير قرار "إنساني" في مجلس الأمن أرادوا منه أن يكون نافذة لتدخل عسكري في سوريا، أو لتمرير السلاح الى المسلحين وفك الحصار عنهم في بعض المناطق المحاصرة، إلا أنهم فشلوا في ذلك، فتمّ اقرار القرار 2139 في مجلس الأمن بدون عقوبات تلقائية أو تدابير تلقائية ضد الحكومة السورية في حال عدم تنفيذه. وبالتزامن، سرت أخبار وتقارير تمّ تسريبها الى الصحافة عن الاستعداد لفتح جبهة جديدة في الجنوب السوري على الحدود المشتركة مع الأردن، لشنّ حرب نفسية على النظام السوري والقول ان موازين القوى الميدانية ما زالت لصالح المعارضة السورية المدعومة من الغرب الذي سيستغل انشغال بوتين بهجوم على دمشق وإطاحة النظام السوري كما أطاح بالرئيس الاوكراني.
لكن، ما لم يحسب له الغرب حساب، هو أنه استطاع أن يربح جولة في اوكرانيا ولكنه لا يستطيع أن يربح الحرب؛ فالتاريخ والجغرافيا والديمغرافيا تجعل من أوكرانيا امتداد طبيعي لروسيا، ويمتلك الروس مفاتيح عدّة للتأثير والضغط على اوكرانيا، وبيدهم القدرة على انتشال اوكرانيا من الهاوية الاقتصادية، أو التسريع في انهيارها كليًا لتصبح دولة مفلسة بكل معنى الكلمة علما أن الاتحاد الاوروبي يبدو عاجزًا أو غير قادر على إنقاذ اوكرانيا إلا بواسطة صندوق النقد الدولي الذي سيدفع السلطات الاوكرانية الى اعتماد سياسات تقشفية مؤلمة في الداخل، قد تدفع الى مزيد من عدم الاستقرار السياسي. بالاضافة الى الاقتصاد، يمتلك الروس الكثير من القدرات السياسية والجغرافية والديمغرافية التي تسمح بالحفاظ على وحدة اوكرانيا أو تفكيكها.
وكما في اوكرانيا، كذلك في باقي بلدان العالم تغلب السمة الارتجالية على سياسات الغرب والأميركيين، فهم يكتفون بما يحصدونه اعلاميًا او بما يستطيعون أن يسببوه من عدم استقرار في المناطق التي يتدخلون فيها، ولكن التجارب أثببت أنهم باتوا أعجز من أن يستطيعوا تقديم حلول متكاملة والسير بالبلدان التي يتدخلون فيها الى تأسيس مؤسسات ديمقراطية فاعلة ومستقرة، فها هو العراق تركه الاحتلال فريسة للارهاب وعدم الاستقرار الأمني والسياسي والفساد، وها هي افغانستان ستُترك لمصيرها يتنازعها الفقر والعوز والارهاب وقد يؤدي الى عودة طالبان الى الحكم، وها هي ليبيا ومصر.... أما في سوريا، فحدث ولا حرج، دخل الغرب والعرب في حرب على سوريا لا يستطيعون الانتصار فيها، ولا يعرفون كيف ينهونها، ومجرد الحديث الغربي بأن السيناريو الاوكراني يمكن أن ينسحب على سوريا، يدل على جهل قائله، وعدم معرفته بخصوصيات منطقة الشرق الأوسط، وتشعبات الارهاب فيها.