د. ليلى نقولا الرحباني
بالرغم من التعيتم الاعلامي الذي فُرض على الغارة الجوية الاسرائيلية التي استهدفت مواقع على سلسلة جبال لبنان الشرقية على الحدود اللبنانية السورية، والتي كثر خلالها الحديث عن امكانية دخول اسرائيلي على خط المعارك الدائرة في يبرود السورية، التي ينتظر اللبنانيين نتيجتها أملاً في أن يكون سيطرة الدولة السورية عليها عاملاً يؤدي الى الحد من وصول سيارات مفخخة من الجانب السوري وتحديداً من يبرود الى الاراضي اللبنانية.
والدخول الاسرائيلي على خط المواجهات الدائرة في سوريا ليس جديدًا، فالكل يذكر كيف تدخل الطيران الاسرائيلي لقصف مواقع الجيش السوري وراداراته خلال معركة الهجوم على دمشق التي فشلت بالرغم من كل التحشيد والدعم الللوجستي الغربي والعربي والاسرائيلي.
وقد يكون الدعم الاسرائيلي للمعارضة السورية، متكاملاً مع السياسات التجريبية الأميركية، والتي باتت السمة الغالبة على سياستهم الخارجية بعد ما سمي "الربيع العربي"، والتي جعلت "الأخوان المسلمين" يتصدرون واجهة الحرب على سوريا، وما أن فشلوا حتى اقصوا واستعين ببندر بن سلطان الذي يُعرف في الاوساط الأميركية والغربية باسم "بندر بوش". ومع بندر تصدرت المجموعات الارهابية واجهة القتال في سوريا، وسيطرت على مناطق المعارضة، ومنها دير الزور والرقة التي يتبجح داعش بأنه يسيطر على مساحة "أكبر من الكويت". وفجأة استفاق الغربيون على خطر السياسة التي يقومون بها على مصالحهم في المنطقة وعليهم في بلدانهم، فاستبدلوا "بندر بوش" بالوزير السعودي محمد بن نايف، علّه ينقذ ما تبقى من خطة غربية - عربية باسقاط سوريا، ويقوم باحتواء العناصر الارهابية لتقوية ما يسميه الغرب "معارضة معتدلة".
وتنسحب السياسات التجريبية الأميركية على مناطق عدّة من العالم، وتترافق مع عدم قدرة على السيطرة على النتائج، فالربيع العربي الذي حاول الغرب استثماره انقلبت مفاعيله، ولا يبدو أن أحدًا من الأطراف قادرًا على السيطرة على التطورات في العالم العربي والتحكم بمسارها.
وكما في العالم العربي كذلك في اوروبا الشرقية، وبالرغم من أن الرئيس الاوكراني كان شخصا فاسدًا، ولم يكن شخصًا موثوقًا به حتى من قبل الروس، إلا أن ما حصل في اوكرانيا من انتشار القناصة على السطوح وقتل المتظاهرين والشرطة معًا، يشبه - الى حد التطابق- ما حصل في مصر خلال الثورة الاولى، ويشي بضلوع جهات خارجية في عملية الانقلاب التي حصلت إن في الشارع أو في البرلمان أو داخل الحزب الاوكراني الحاكم. لكن النشوة الغربية بسقوط الحكم في اوكرانيا، والنجاح الذي حققه الغربيون بإسقاط يانيكوفيتش، يترافق اليوم مع قلق اوروبي موازٍ من تقسيم اوكرانيا أو تحوّل اوكرانيا الى يوغسلافيا أخرى وسط مخاوف من انفجار عرقي مذهبي. ويخشى الاوروبيون من ردة فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيتسابق كل من اوباما وميركل وهولاند الى الاتصال به للاطمئنان ومعرفة ردة فعله بدون جدوى، الأمر الذي يجعل المحللين الغربيين يتسابقون لمحاولة الإجابة على السؤال التالي" كيف سيردّ بوتين؟".
إن هذه النتائج وغيرها تشي بأن السياسات التجريبية الغربية، قد ترتد سلبًا على حلفائهم. وها هو الأردن التي يتحدث داعمو المعارضة السورية بأن جبهة جديدة حاسمة ستفتح من بوابته الجنوبية، غير بعيد من القلق من النتائج السورية على الداخل الأردني، وها هو الجيش الاردني يعلن عن إحباط عمليات تهريب كميات كبيرة جدًا من الأسلحة والذخائر والمتفجرات من سوريا الى الأردن، ويشير الى أن عمليات التهريب بين الاردن وسوريا تزايدت في الآونة الاخيرة بنسبة تصل الى 300%، مشيرًا الى أنه تمّ احباط محاولات تهريب 900 قطعة سلاح مختلفة الى الاردن في شهر كانون الأول وحده.
وهكذا، تتوهم اسرائيل أن بإمكانها تغذية التطرف والارهاب في المنطقة بدون أن تحترق بنيرانه، أو تصل شظاياه الى العمق الاسرائيلي الذي يُعرف بهشاشة جبهته الداخلية، علمًا ان سنوات ثلاث من الحرب على سوريا، بدأت تُظهر أن على جميع من شارك فيها من غربيين وعرب أن يقلق، فالمارد الارهابي الذي تمّ خلقه أو أخرج من القمقم لن يتوانى عن افتراس أهله ومدربيه وداعميه، وحينها ستتشابه ساحاتهم مع ساحات لبنان والعراق وسوريا، ولن يوفر الانتحاريون الحاقدون أطفالهم ولا أيتامهم ولا شبابهم أو عسكرييهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق