د. ليلى نقولا الرحباني
يكثر الحديث في الصحافة الغربية، ومعها الكتّاب في الصحف الخلييجية، عن تغيّر في الاستراتيجية الأميركية تجاه سوريا، وإن الرئيس الأميركي باراك أوباما بات مستعدًا لتغيير سياسته في سوريا ومنها القيام بتدخل عسكري في الميدان السوري، يقولون أنه سيكون محدودًا ولن يزج بقوات أميركية في الميدان، بل يسوقون لفكرة الاعتماد على خيارات عسكرية مختلفة منها تقديم أسلحة للمعارضة السورية وفرض حظر جوي بأساليب غير تقليدية، وتسخين جبهة الأردن الجنوبية.
وبقياس مدى واقعية هذه التصريحات على أرض الواقع، يمكن القول أن القيام بإمداد المعارضة السورية بأسلحة، هو أمر لم يتوقف في أي لحظة منذ عسكرة الانتفاضة في سوريا، أما فكرة قيام حظر جوي فدونها عقبات كثيرة، ويبقى الأردن فهو القلِق الأكبر من هذه الخطط العسكرية التي تتحدث عن انخراطه أكثر في الحرب الدائرة في سوريا.
وقد يكون من الأوهام أن يتحدث أحد من الطرفين عن امكانية حسم الميدان لصالحه في وقت قريب، أو تخلي أحدهما عن الميدان، ولكن لا يمكن غض النظر عن التغييرات التي طرأت على سياسة المملكة العربية السعودية في ما يخص الارهاب، بانتقالها من سياسة الدعم الى سياسة الاحتواء، الى أن يأتي يوم للانخراط في الحرب العالمية على الارهاب، والتي قد لا تكون قريبة جدًا زمنيًا، لأنها تحتاج الى نضوج التسوية بين الأميركيين والروس حول تقاسم النفوذ في الشرق الاوسط، والتي ستنسحب انفراجًا على جميع الملفات في المنطقة، ومنها سوريا والعراق اللتان تشهدان ارهابًا لم يسبق له مثيل في المنطقة.
وتبدّل السياسة السعودية تجاه الارهاب، بانتقالها من الدعم الى الاحتواء، يبرز من خلال مؤشرات عدّة، أهمها:
- اقصاء بندر بن سلطان عن الملف السوري، وتعيين وزير الداخلية محمد بن نايف. ولمن لا يعرف من هو محمد بن نايف؛ هو الرأس المدبر لاستراتيجية مكافحة الارهاب في المملكة، والذي لطالما اعتبر ان الارهاب جريمة كبرى يجب التعامل معها بيد من حديد، وأسس لاستراتيجية هامة اعتمدها في مكافحة الارهاب والتأسيس للقضاء عليه من جذوره، اعتمدت على مراحل ثلاث: الاولى، الوقاية من خلال استخدام المشايخ للحض على نبذ الارهاب من خلال تفسير الدين الاسلامي، واعتماد العمل الاستخباري بشكل مكثف... الثانية، هي التعامل مع الارهابيين بحزم وقوة وشدة أمنية... أما الثالثة، فهي القيام بإعادة تأهيل للشباب المعتقل الذي يثبت ان الارهابيين قد استطاعوا التغرير بهم، حيث يتم إخضاعهم لدورات تعليمية تتضمن برامج شرعية ودعوية ونفسية واجتماعية وقانونية بهدف تخليصهم من الأفكار المتطرفة التي يحملونها، وبعد ذلك تقوم الجهات المعنية بالإفراج عن المتخرجين من الدورات ممن لم يتورطوا في قضايا التفجيرات بشكل مباشر.
ولقد نجحت استراتيجية محمد بن نايف لمكافحة الارهاب بشكل كبير في السعودية ، التي عانت من الارهاب التكفيري منذ عام 2003، لذلك قامت القاعدة بعدّة محاولات فاشلة لاغتيال الامير السعودي- يعتقد ان عددها أربعة- كان أهمها في آب من عام 2009، حين فجر انتحاري نفسه بقرب الأمير محمد بن نايف، الذي نجا من الاغتيال وأعلنت القاعدة مسؤوليتها عن هذه العملية.
- محاولات سعودية لخفض مستوى التشنج في المنطقة، مقابل سعي وانفتاح ايراني كان قد أعلن عنه الايرانيون في وقت سابق، وهذا الانخفاض سيؤمّن حتمًا انفراج في ساحات عدّة منها لبنان واليمن والبحرين. إلا أن الساحات العراقية والسورية، فمن الصعب أن تشهد تقاربًا اقليميًا في النظرة الى الحلول فيها، كونها مرتبطة بالتسوية الكبرى في المنطقة ومن ضمنها مكافحة الارهاب في المنطقة والذي يحتاج تحالف دولي اقليمي، لم تنضج ظروفه بعد.
انطلاقًا مما سبق، ان التهويل بتدخل عسكري أميركي مباشر في الحرب السورية الدائرة، لا يبدو منطقيًا، أما الحديث عن تدخل عسكري غير مباشر فهو لم يتوقف للحظة منذ بدء الحرب في سوريا. أما الحديث عن أن إمداد السعودية للمسلحين السوريين بالسلاح، لا يُظهر تغييرًا في السياسة السعودية حيال مكافحة الارهاب، فهو يتعامى عن حقيقة أن ليس كل المسلحين في سوريا هم من القاعدة وأخواتها، وهناك من المسلحين السوريين من لا يؤمنون بفكر القاعدة ولكنهم ضد النظام السوري. وبنظر المعكسر الغربي، إن ترميم ما قام به بندر بن سلطان من تقوية الجماعات المتطرفة على حساب "الجيش السوري الحر"، يحتاج الى إعادة هيكلة وفرز للمجموعات السورية، ودعم غير الراديكالي منها، وتقويتها على حساب جماعات داعش والنصرة، لكن المشكلة تمكن في السؤال: كيف يمكن للأميركيين وحلفائهم القيام بهذا الفرز، خاصة أن التقارير تشير الى أن "الجبهة الاسلامية" وغيرها قد لا تقل راديكالية وتطرفًا، وعلمًا ان الجيش السوري الحر قد صار جيوشًا قد لا ينفع معها كل السلاح والمال لتلتزم بقيادة موحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق