2014/02/27

ما هي مصالح إسرائيل في معركة القلمون؟

د. ليلى نقولا الرحباني
بالرغم من التعيتم الاعلامي الذي فُرض على الغارة الجوية الاسرائيلية التي استهدفت مواقع على سلسلة جبال لبنان الشرقية على الحدود اللبنانية السورية، والتي كثر خلالها الحديث عن امكانية دخول اسرائيلي على خط المعارك الدائرة في يبرود السورية، التي ينتظر اللبنانيين نتيجتها أملاً في أن يكون سيطرة الدولة السورية عليها عاملاً يؤدي الى الحد من وصول سيارات مفخخة من الجانب السوري وتحديداً من يبرود الى الاراضي اللبنانية.
والدخول الاسرائيلي على خط المواجهات الدائرة في سوريا ليس جديدًا، فالكل يذكر كيف تدخل الطيران الاسرائيلي لقصف مواقع الجيش السوري وراداراته خلال معركة الهجوم على دمشق التي فشلت بالرغم من كل التحشيد والدعم الللوجستي الغربي والعربي والاسرائيلي.
وقد يكون الدعم الاسرائيلي للمعارضة السورية، متكاملاً مع السياسات التجريبية الأميركية، والتي باتت السمة الغالبة على سياستهم الخارجية بعد ما سمي "الربيع العربي"، والتي جعلت "الأخوان المسلمين" يتصدرون واجهة الحرب على سوريا، وما أن فشلوا حتى اقصوا واستعين ببندر بن سلطان الذي يُعرف في الاوساط الأميركية والغربية باسم "بندر بوش". ومع بندر تصدرت المجموعات الارهابية واجهة القتال في سوريا، وسيطرت على مناطق المعارضة، ومنها دير الزور والرقة التي يتبجح داعش بأنه يسيطر على مساحة "أكبر من الكويت". وفجأة استفاق الغربيون على خطر السياسة التي يقومون بها على مصالحهم في المنطقة وعليهم في بلدانهم، فاستبدلوا "بندر بوش" بالوزير السعودي محمد بن نايف، علّه ينقذ ما تبقى من خطة غربية - عربية باسقاط سوريا، ويقوم باحتواء العناصر الارهابية لتقوية ما يسميه الغرب "معارضة معتدلة".
وتنسحب السياسات التجريبية الأميركية على مناطق عدّة من العالم، وتترافق مع عدم قدرة على السيطرة على النتائج، فالربيع العربي الذي حاول الغرب استثماره انقلبت مفاعيله، ولا يبدو أن أحدًا من الأطراف قادرًا على السيطرة على التطورات في العالم العربي والتحكم بمسارها.
وكما في العالم العربي كذلك في اوروبا الشرقية، وبالرغم من أن الرئيس الاوكراني كان شخصا فاسدًا، ولم يكن شخصًا موثوقًا به حتى من قبل الروس، إلا أن ما حصل في اوكرانيا من انتشار القناصة على السطوح وقتل المتظاهرين والشرطة معًا، يشبه - الى حد التطابق- ما حصل في مصر خلال الثورة الاولى، ويشي بضلوع جهات خارجية في عملية الانقلاب التي حصلت إن في الشارع أو في البرلمان أو داخل الحزب الاوكراني الحاكم. لكن النشوة الغربية بسقوط الحكم في اوكرانيا، والنجاح الذي حققه الغربيون بإسقاط يانيكوفيتش، يترافق اليوم مع قلق اوروبي موازٍ من تقسيم اوكرانيا أو تحوّل اوكرانيا الى يوغسلافيا أخرى وسط مخاوف من انفجار عرقي مذهبي. ويخشى الاوروبيون من ردة فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيتسابق كل من اوباما وميركل وهولاند الى الاتصال به للاطمئنان ومعرفة ردة فعله بدون جدوى، الأمر الذي يجعل المحللين الغربيين يتسابقون لمحاولة الإجابة على السؤال التالي" كيف سيردّ بوتين؟".
إن هذه النتائج وغيرها تشي بأن السياسات التجريبية الغربية، قد ترتد سلبًا على حلفائهم. وها هو الأردن التي يتحدث داعمو المعارضة السورية بأن جبهة جديدة حاسمة ستفتح من بوابته الجنوبية، غير بعيد من القلق من النتائج السورية على الداخل الأردني، وها هو الجيش الاردني يعلن عن إحباط عمليات تهريب كميات كبيرة جدًا من الأسلحة والذخائر والمتفجرات من سوريا الى الأردن، ويشير الى أن عمليات التهريب بين الاردن وسوريا تزايدت في الآونة الاخيرة بنسبة تصل الى 300%، مشيرًا الى أنه تمّ احباط محاولات تهريب 900 قطعة سلاح مختلفة الى الاردن في شهر كانون الأول وحده.
وهكذا، تتوهم اسرائيل أن بإمكانها تغذية التطرف والارهاب في المنطقة بدون أن تحترق بنيرانه، أو تصل شظاياه الى العمق الاسرائيلي الذي يُعرف بهشاشة جبهته الداخلية، علمًا ان سنوات ثلاث من الحرب على سوريا، بدأت تُظهر أن على جميع من شارك فيها من غربيين وعرب أن يقلق، فالمارد الارهابي الذي تمّ خلقه أو أخرج من القمقم لن يتوانى عن افتراس أهله ومدربيه وداعميه، وحينها ستتشابه ساحاتهم مع ساحات لبنان والعراق وسوريا، ولن يوفر الانتحاريون الحاقدون أطفالهم ولا أيتامهم ولا شبابهم أو عسكرييهم.

2014/02/23

السياسة الغربية في سوريا: ضد الأسد والارهاب معًا

د. ليلى نقولا الرحباني

يكثر الحديث في الصحافة الغربية، ومعها الكتّاب في الصحف الخلييجية، عن تغيّر في الاستراتيجية الأميركية تجاه سوريا، وإن الرئيس الأميركي باراك أوباما بات مستعدًا لتغيير سياسته في سوريا ومنها القيام بتدخل عسكري في الميدان السوري، يقولون أنه سيكون محدودًا ولن يزج بقوات أميركية في الميدان، بل يسوقون لفكرة الاعتماد على خيارات عسكرية مختلفة منها تقديم أسلحة للمعارضة السورية وفرض حظر جوي بأساليب غير تقليدية، وتسخين جبهة الأردن الجنوبية.
وبقياس مدى واقعية هذه التصريحات على أرض الواقع، يمكن القول أن القيام بإمداد المعارضة السورية بأسلحة، هو أمر لم يتوقف في أي لحظة منذ عسكرة الانتفاضة في سوريا، أما فكرة قيام حظر جوي فدونها عقبات كثيرة، ويبقى الأردن فهو القلِق الأكبر من هذه الخطط العسكرية التي تتحدث عن انخراطه أكثر في الحرب الدائرة في سوريا.
وقد يكون من الأوهام أن يتحدث أحد من الطرفين عن امكانية حسم الميدان لصالحه في وقت قريب، أو تخلي أحدهما عن الميدان، ولكن لا يمكن غض النظر عن التغييرات التي طرأت على سياسة المملكة العربية السعودية في ما يخص الارهاب، بانتقالها من سياسة الدعم الى سياسة الاحتواء، الى أن يأتي يوم للانخراط في الحرب العالمية على الارهاب، والتي قد لا تكون قريبة جدًا زمنيًا، لأنها تحتاج الى نضوج التسوية بين الأميركيين والروس حول تقاسم النفوذ في الشرق الاوسط، والتي ستنسحب انفراجًا على جميع الملفات في المنطقة، ومنها سوريا والعراق اللتان تشهدان ارهابًا لم يسبق له مثيل في المنطقة.
وتبدّل السياسة السعودية تجاه الارهاب، بانتقالها من الدعم الى الاحتواء، يبرز من خلال مؤشرات عدّة، أهمها:
- اقصاء بندر بن سلطان عن الملف السوري، وتعيين وزير الداخلية محمد بن نايف. ولمن لا يعرف من هو محمد بن نايف؛ هو الرأس المدبر لاستراتيجية مكافحة الارهاب في المملكة، والذي لطالما اعتبر ان الارهاب جريمة كبرى يجب التعامل معها بيد من حديد، وأسس لاستراتيجية هامة اعتمدها في مكافحة الارهاب والتأسيس للقضاء عليه من جذوره، اعتمدت على مراحل ثلاث: الاولى، الوقاية من خلال استخدام المشايخ للحض على نبذ الارهاب من خلال تفسير الدين الاسلامي، واعتماد العمل الاستخباري بشكل مكثف... الثانية، هي التعامل مع الارهابيين بحزم وقوة وشدة أمنية... أما الثالثة، فهي القيام بإعادة تأهيل للشباب المعتقل الذي يثبت ان الارهابيين قد استطاعوا التغرير بهم، حيث يتم إخضاعهم لدورات تعليمية تتضمن برامج شرعية ودعوية ونفسية واجتماعية وقانونية بهدف تخليصهم من الأفكار المتطرفة التي يحملونها، وبعد ذلك تقوم الجهات المعنية بالإفراج عن المتخرجين من الدورات ممن لم يتورطوا في قضايا التفجيرات بشكل مباشر.
ولقد نجحت استراتيجية محمد بن نايف لمكافحة الارهاب بشكل كبير في السعودية ، التي عانت من الارهاب التكفيري منذ عام 2003، لذلك قامت القاعدة بعدّة محاولات فاشلة لاغتيال الامير السعودي- يعتقد ان عددها أربعة- كان أهمها في آب من عام 2009، حين فجر انتحاري نفسه بقرب الأمير محمد بن نايف، الذي نجا من الاغتيال وأعلنت القاعدة مسؤوليتها عن هذه العملية.
- محاولات سعودية لخفض مستوى التشنج في المنطقة، مقابل سعي وانفتاح ايراني كان قد أعلن عنه الايرانيون في وقت سابق، وهذا الانخفاض سيؤمّن حتمًا انفراج في ساحات عدّة منها لبنان واليمن والبحرين. إلا أن الساحات العراقية والسورية، فمن الصعب أن تشهد تقاربًا اقليميًا في النظرة الى الحلول فيها، كونها مرتبطة بالتسوية الكبرى في المنطقة ومن ضمنها مكافحة الارهاب في المنطقة والذي يحتاج تحالف دولي اقليمي، لم تنضج ظروفه بعد.
انطلاقًا مما سبق، ان التهويل بتدخل عسكري أميركي مباشر في الحرب السورية الدائرة، لا يبدو منطقيًا، أما الحديث عن تدخل عسكري غير مباشر فهو لم يتوقف للحظة منذ بدء الحرب في سوريا. أما الحديث عن أن إمداد السعودية للمسلحين السوريين بالسلاح، لا يُظهر تغييرًا في السياسة السعودية حيال مكافحة الارهاب، فهو يتعامى عن حقيقة أن ليس كل المسلحين في سوريا هم من القاعدة وأخواتها، وهناك من المسلحين السوريين من لا يؤمنون بفكر القاعدة ولكنهم ضد النظام السوري. وبنظر المعكسر الغربي، إن ترميم ما قام به بندر بن سلطان من تقوية الجماعات المتطرفة على حساب "الجيش السوري الحر"، يحتاج الى إعادة هيكلة وفرز للمجموعات السورية، ودعم غير الراديكالي منها، وتقويتها على حساب جماعات داعش والنصرة، لكن المشكلة تمكن في السؤال: كيف يمكن للأميركيين وحلفائهم القيام بهذا الفرز، خاصة أن التقارير تشير الى أن "الجبهة الاسلامية" وغيرها قد لا تقل راديكالية وتطرفًا، وعلمًا ان الجيش السوري الحر قد صار جيوشًا قد لا ينفع معها كل السلاح والمال لتلتزم بقيادة موحدة.

2014/02/02

ماذا يفعل الايرانيون؟

د. ليلى نقولا 

لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تحلّ ايران - بهذه السرعة- ضيفًا مقبولاً ومحتفى به في القمم العالمية الكبرى، فها هو وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، لا يكاد يستقر أسبوعًا واحدًا في طهران حتى يغادرها للمشاركة في قمة عالمية كبرى، يجالس فيها الاوروبيون، ويتناغمون معه، ويطلبون رأيه أو يخطبون ودّه.
 لم يكترث الايرانيون كثيرًا لاستبعادهم عن مؤتمر جنيف 2، فهم لم يكونوا أصلاً مقتنعين بأن المفاوضات ستفضي الى حل أو الى بداية حل، فما حصل خلال الأسابيع القليلة التي سبقت المؤتمر، وما تمّ تسريبه عن التهديدات التي أطلقها السفير الأميركي روبرت فورد لوفد الائتلاف ليجبرهم جبرًا على المشاركة في المفاوضات، بالاضافة الى استمرار السقوف العالية المطالبة برحيل الأسد، كانت قد أشارت قبل المؤتمر بأن مصيره الفشل.

وما تخلّف عنه الايرانيون في مونترو، كان مناسبة لهم لحصاد من نوع آخر في مدينة سويسرية أخرى - دافوس- حيث شارك الرئيس روحاني ووزير خارجيته في «المنتدى الاقتصادي العالمي» الذي يشارك فيه سنويًا ما يفوق الأربعين رئيس حكومة ودولة، بالإضافة الى رجال الأعمال والمستثمرين، وشخصيات من المجتمع المدني العالمي. ولعل نجم مؤتمر دافوس هذه السنة كان الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي خطف الأضواء في مداخلته التي دعا فيها الى الاستثمار في بلاده، وأعطى صورة مشرقة لمستقبل الاستثمار في ايران خاصة في ظل التوجّه الى رفع العقوبات عن بلاده. وفي مقابل الابتسامات التي وزعها الرئيس الايراني، كان وزير خارجيته يشارك في اللقاءات المعلنة وغير المعلنة لمناقشة الوضع السوري، والوضع الفلسطيني حيث خصصت العديد من الجلسات لهاتين القضيتين على هامش المؤتمر، فطرحت ايران وجهة نظرها، وأكدت قدرتها على المساهمة بتأمين الاستقرار في الشرق الأوسط.

أما في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي بدأ أعماله الجمعة، والذي تتصدر اهتماماته موضوعي الأزمة السورية والاتفاق النووي مع ايران، فكان الاعلان مبكرًا من قبل مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون بأنها عقدت اجتماعًا "مثيرًا للاهتمام بحق" مع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف واتفقا على أن تبدأ المحادثات بين الدول الست وايران بشأن اتفاق طويل الأمد  في 18 شباط  الجاري.

وبمقابل بوادر الانفتاح على العالم، يدرك الايرانيون أن بيدهم أوراقًا اقليمية هامّة يتمسكون بها، ولا يتوانون عن استعمال كل ما يمكنهم استعماله للاستفادة في توسيع نفوذهم الاقليمي أو الاستفادة من موقعهم الاستراتيجي في المنطقة. فها هو رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، يزور ايران ويعلن عن زيارة مماثلة للرئيس روحاني الى تركيا في شهر شباط الجاري، ليتم التوقيع أثناءها على اتفاقية تأسيس «مجلس التعاون التجاري والاستراتيجي»، الذي تم الاتفاق عليه خلال زيارة طهران، وحيث من المتوقع أن يرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين الى 30 مليار دولار عام 2015.

ولعل الورقة الأبرز التي يحملها المفاوض الايراني - بالاضافة الى الاوراق الاقليمية في العراق ولبنان سوريا والبحرين واليمن الخ- قد تكون ورقة افغانستان، والتي تدرك طهران جيدًا كيفية استخدامها، فالعلاقات الوطيدة التي نسجها الايرانيون مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، واتفاقية الصداقة والتعاون التي وقعّها الطرفان، والتصريحات العالية السقف للرئيس روحاني خلال زيارة كرزاي الى طهران في كانون الأول 2013، كلها تشير الى أن الايرانيين يدعمون الرئيس الأفغاني في رفضه توقيع الاتفاقية الأمنية مع واشنطن، بالرغم من التهديدات الأميركية والدعوة الى توقيع الاتفاقية حالاً وعدم الانتظار الى ما بعد الانتخابات الرئاسية في نيسان القادم، كما يصرّ كرزاي. ويعتقد كثيرون أن مفتاح توقيع الاتفاقية في يد طهران التي تستطيع التأثير على الرئيس الأفغاني، لكن ايران لا تبدو مستعدة لإعطاء واشنطن مكاسب مجانية، في وقت يقوم الأميركيون بتحريض طالبان على القيام بهجومات في الداخل الأفغاني - كما يتهمهم كرزاي.

بكل الأحوال، تبدو السياسة الخارجية الايرانية في أكثر عهودها نشاطًا في هذه الفترة، ويستغل الايرانيون كل نقاط القوة لديهم، ويحاولون التخفيف من نقاط الضعف ولا سيما الوضع الاقتصادي المتردي الذي سببته العقوبات الدولية، ورويدًا رويدًا، ستحوّل ايران نفسها - إن استمرت عل هذا الحال- الى قوة عظمى في المنطقة خاصة في ظل انشغال العرب باقتتالهم الداخلي، وقد يكون هذا ما يخشاه السعوديون فعلاً، فهل يكون الحل بالعداء، أم بالتعاون والتنافس المشروع؟