د. ليلى نقولا الرحباني
يشير عدد من الباحثين والسياسيين المؤيدين للمعارضة السورية، أن "الحرب على الارهاب" التي باتت تتردد على أساس أنها الإطار الذي يجب أن تندرج تحته أي مفاوضات مقبلة في مدينة مونترو السويسرية أو ما بات يُعرف باسم جنيف 2، يشيرون الى أنها استراتيجية معتمدة من قبل النظام السوري وحلفائه لحفظ بقائه، وتصويره مدماكًا رئيسيًا لحفظ الاستقرار في المنطقة والقضاء على الارهاب الذي بات يهدد المنطقة وقد يمتد الى جوارها الروسي والاوروبي.
وقد يكون هذا الكلام صحيحًا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الحملة الدولية على الارهاب، وما يطرحه الروس من عنوان أساسي وعريض يجب أن تندرج تحته أي مفاوضات بين المعارضة والنظام السوري، باعتبار أن الارهاب بات يهدد الجميع. ولكن، إذا عدنا بالذاكرة الى الوراء قليلاً، ودرسنا كيف سمحت المعارضة وداعميها للأسد بالوصول الى تكريس حكومته وجيشه كمعطى لا يمكن الاستغناء عنه في الحرب العالمية على الارهاب، نجد ما يلي:
أولاً: لقد أخطأت المعارضة السورية وحلفائها منذ البداية في تقديرها لمخاطر الاستعانة بالقاعدة وأخواتها في حربهم ضد النظام السوري، ولعل الخطأ العلني بدأ منذ الدفاع المستميت والشرس الذي قام به المعارضون السوريون عن "جبهة النصرة" حين أدرجها الأميركيون على لائحة المنظمات الارهابية. ومنذ ذلك الوقت، كان واضحًا جدًا أن من أسموا أنفسهم "أصدقاء سوريا" يلعبون لعبة خطرة جدًا من ضمن التحالف مع الشيطان، وها هي اليوم قد ارتدت سلبًا عليهم، وسمحت للنظام السوري بتأكيد نظريته بأنه لا يقاتل معارضة وطنية تطالب باصلاحات وإنما يقاتل مجموعات ارهابية تمارس القتل والتنكيل بالجثث وأكل الأكباد وقطع الرؤوس.
ثانيًا: لم تقم المملكة العربية السعودية بجهد للقيام بتمييز واضح بين الموقف الرسمي السعودي وبين تصرفات وتصريحات بعض الأمراء السعوديين، بالعكس إن السكوت السعودي الرسمي عن تصريحات بعض الأمراء أو سياساتهم الجنونية ترافق بسياسة "حرد" دفعته الى رفض مقعد غير دائم في مجلس الأمن، وكل ما جرى بعد الاتفاق النووي الايراني الغربي، دفع المراقبين الى عدم تمييز بين الموقفين، ما ساهم في إضفاء صدقية على ما يقوله الايرانيون وحزب الله والنظام السوري حول ضلوع السعودية في تمويل الارهابيين أو أكثر من ذلك، كما تمّ اعلانه من قبل السيد حسن نصرالله وآخرين عن التحقيقات في تفجير السفارة الايرانية في بيروت.
بالمقابل، تقوم ايران بسياسة دبلوماسية خارقة عنوانها "اليد الممدودة" للجميع، فها هو الرئيس روحاني يحضر القمم العالمية ويوزع الابتسامات والكلام الجذاب، ووزير خارجيته ظريف يقوم بجولات اقليمية وعالمية، ويتحدث بنفس انفتاحي، وضرورة الحفاظ على الاستقرار الاقليمي، ويمد اليد الى السعودية التي اتهمها الايرانيون في وقت سابق بدعم الارهاب. هذه السياسة الايرانية، تزيد في إحراج داعمي المعارضة السورية الذين يبدون وكأنهم ضد السلام والاستقرار بينما تسعى اليه ايران بقوة.
ثالثًا: قيام الاوروبيين بتسهيل مغادرة الارهابيين والمتطرفين من اوروبا الى سوريا، ضمن سياسة التخلص منهم وارسالهم للموت في سوريا، وهي سياسة تبدو مقصودة وممنهجة وليست أمرًا اعتباطيًا أو بصورة غير مقدّرة كما يتوهم البعض. ولعل مراجعة التقارير الاوروبية، ومنها تقرير رئيس البوليس السرّي السويدي السابق في عامي 2010 و2013، تشير الى ذلك بوضوح، فقد تمّ الاعلان عام 2010 عن وجود 200 أصولي متطرف قد يشكّلون خطرًا على السويديين في الداخل، أما في العام 2013، فقد تناقص العدد الى 125، بسبب ذهاب 75 منهم الى القتال في سوريا.
قد تكون هذه السياسة الاوروبية، هي بالتحديد، سبب إطالة أمد القتال في سوريا، فالدول الاوروبية لا تريد عودة هؤلاء الى بلدانهم بالتأكيد، وقد يناسبها أن يرحل المزيد منهم، وكلما طال أمد القتال في سوريا، كلما تمّ التخلص من هؤلاء وإبعاد خطرهم عن المجتمعات الاوروبية.
من كل ما سبق، نستنتج أن خسارة هذا الفريق ونجاح ذاك، وتكريس النظام السوري نفسه بأنه ضرورة لمكافحة الارهاب، وتكريس دور ايران الاقليمي كعامل استقرار في المنطقة لا يعود فقط الى كفاءة هذا الفريق وإنما الى الاستراتيجيات الخاطئة التي اتبعها الفريق الداعم للمعارضة السورية، فكما كنا قد حذّرنا يومًا من أن فكر "القاعدة" ونهجها لا يمكن أن يبنيا ديمقراطية، ولا يمكن أن يبنيا دولة تطمح إليها شعوب المنطقة، ومن يريد أن يستعين بالشيطان سيجد نفسه في جهنم لا محالة، يبدو أنه يتحقق اليوم كمسار حتمي، فقد تتحول الارض السورية الى جهنم قاتلة للجميع، إن لم يتمّ الاستدراك والذهاب الى بداية حل في جنيف 2.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق