د. ليلى نقولا الرحباني
تبدأ المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان أولى جلساتها اليوم الخميس في السادس عشر من شهر كانون الثاني الجاري، ومن المرجح أن يتم تأجيل الجلسات اللاحقة في حال تمّ الاتفاق على ضم قضية المتهم الخامس حسين مرعي إلى المتهمين الأربعة.
ولعل موت الإرهابي ماجد الماجد وعدم قدرة الجيش اللبناني على التحقيق معه قد فوّتا على اللبنانيين كنزاً من المعلومات في ما خصّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والكثير من الاغتيالات الأخرى التي ارتكبتها "القاعدة" في لبنان، وحتى لو لم تكن المحكمة الدولية قد أشارت إليها، أو أنها - وفي تصرف مستغرَب من قبل لجنة التحقيق - قد أهملت فرضية الانتحاري أو قيام "القاعدة" بقتل رفيق الحريري، وما يدفعنا إلى الاستغراب ما يلي:
أولاً: إعلان المحكمة أن أحد أبرز الأدلة لدى مكتب المدعي العام قد فُقدت مؤخراً في أحد مختبرات دولة أوروبية، وهي من الأدلة المرتبطة بهوية أحد المنفذين، وقد ذكرت تقارير عدّة أن هذا الدليل هو جزء من سنّ الشخص الذي يُعتَقَد أنه الانتحاري الذي فجّر شاحنة محملة بالمتفجرات بموكب الحريري، وأن محققي لجنة التحقيق الدولية قد عثروا على جزء من سنّ الانتحاري المفترض عام 2006، فيما عثر أحد ضباط قوى الأمن الداخلي على جزء آخر من سن للشخص نفسه، بعد أسابيع على وقوع الجريمة.
وهنا، يكون السؤال البديهي: إن كان هناك فعلاً انتحاري في مسرح الجريمة، وقد احتفظت المحكمة بسنّ من أسنانه، فكيف يمكن للجنة التحقيق الدولية أن تُسقط هذا الاحتمال (ضلوع القاعدة) وتنفيه كلياً في قرارها الاتهامي؟
ثانياً: قد يكون موت الماجد أيضاً قد فوّت على المحققين فرصة معرفة الحقيقة حول المؤشرات التي تحدثت عن تزامن خطوط هاتفية "سلفية" في موقع اغتيال الحريري، لم يأتِ على ذكرها القرار الاتهامي، علماً أن الدليل الذي يستند إليه الادعاء في قراره الاتهامي ضد عناصر "حزب الله" يستند إلى "تزامن اتصالات" قام بها هؤلاء في محيط موقع الجريمة في ذلك الوقت بالذات.
ثالثاً: كان لافتاً من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة والقوى المؤيدة لإنشاء المحكمة في لبنان، التشكيك الدائم بتحقيقات الأجهزة اللبنانية، علماً أنه تبيّن أن التحقيقات التي أجرتها الأجهزة اللبنانية - بشكل عام - قادت إلى كشف الحقائق بسرعة معقولة، وبشكل موضوعي أكثر مما فعلته لجان التحقيق الدولية التابعة للمحاكم الدولية، ومنها محكمة لبنان. على سبيل المثال، رفض فريق "المستقبل" وحلفاؤه نتائج التحقيقات التي أعلنتها الأجهزة اللبنانية في محاولة اغتيال المقدم سمير شحادة، والتي اتُّهمت جهات "أصولية" خرجت من مخيم اللاجئين الفلسطينيين، علماً أن إحدى وثائق "ويكليكس" نقلت أن برامرتس أبلغ فيلتمان بأن محاولة اغتيال سمير شحادة لا علاقة لها باغتيال الحريري، وهي إما حصلت لسبب شخصي، وإما من قبل "القاعدة"، أو منظمة فلسطينية.
رابعاً: إذا كانت العلاقة المتوترة بين الرئيس رفيق الحريري وبعض القوى السياسية اللبنانية وحلفائه السوريين هي المعطى الأساس الذي سيقدّمه المدّعي العام لدى المحكمة الخاصة بلبنان، على أنها الوقائع الأساسية السابقة الممهدة لعملية الاغتيال، فاللافت أن هذه المعطيات هي التي رسمها ديتليف ميليس بالتعاون مع بعض الشخصيات المنضوية تحت جناح "تيار المستقبل"، وهي نفسها الشخصيات التي يشار إليها بأنها فبركت شهود الزور وضللت التحقيق. كذلك، بإهمال التحقيق الدولي فرضية قيام جهات أصولية بهذه العملية، لم يقم بالتحقيق والتدقيق بعلاقة الرئيس الحريري بالجهات "الأصولية" التكفيرية قبل الاغتيال... من هنا، كان يمكن لماجد الماجد أن يكشف الكثير من أسرار هذه العلاقة، وهل كانت علاقة متوترة، علماً أن التطورات الأمنية في لبنان واغتيال الشهيد فرنسوا الحاج وتفجير عين علق وسواه من التفجيرات الارهابية بيّنوا أن تفجيرات "القاعدة" تحصل في كثير من الأحيان لأسباب أقل من توتر في العلاقة.
في المحصّلة، ورغم كل الوقت الذي استغرقه التحقيق في قضية اغتيال الحريري، واستغرقته المحكمة الدولية لبناء قرارها الاتهامي، تبدو المحاكمة - لغاية اليوم - عاجزة عن أن تكون مبنيّة على أعلى معايير العدالة الدولية، وعلى المحكمة العمل على تطهير مسارها من الانحرافات والشبهات التي طبعتها، وإلا لن تستطيع تحقيق العدالة المرجوَّة منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق