مداخلة قدمتها في ندوة بعنوان "كربلاء: رؤية مغايرة" بدعوة من مؤسسة الفكر الاسلامي المعاصر في 21 تشرين الثاني 2013
مقدمة
لن أدخل في نقاش الواقعة الكربلائة من منظور ديني أو قيمي واخلاقي أو
عاطفي، ولا من منظور المدرسة المثالية الأخلاقية والعاطفية، فأنا أنحاز بطبيعة
الحال الى المظلوم صاحب الحق، وسأنتصر له في مقاربتي العلمية، ولن أستطيع أن أكون
محايدة، فالحياد بين الحق والباطل لا يجوز، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
لهذا، ولكي أناقش الواقعة التاريخية بمنظار آخر، ومن موقع
المحايد، علي أن آخذ مسافة قيمية واخلاقية وعاطفية منها، وأناقشها بعقل الباحث في القانون
الدولي، فأتخذ من المقاربة القانونية البحت مقياسًا لتقييم تلك الأحداث وما حصل خلالها.
أولاً: قراءة كربلاء بصورة
مجرّدة
سأبدأ برسم
صورة لتلك الواقعة التاريخية، مجرّدة منزّهة عن الأفكار الدينية والاخلاقية،
والارتباط الثيولوجي، وهي تبدو كما يلي:
بعد حروب أهلية ضمن الصراع على السلطة بين المسلمين، توفي
الحاكم معاوية مورثًا الحكم لأبنه يزيد، في مخالفة واضحة لأصول الحكم والقانون
المتبع في الدولة ومن غير ان يكون مستوفياً الشروط التي تفرضها الشريعة للقبول بالإمام
الحاكم، والدولة لم تكن ملكية لتكون قاعدة الحكم فيها توريثًا من أب لأبن، يضاف
الى ذلك أن الصفات الشخصية والقيادية ليزيد، لا تجعله مؤهلاً لحكم البلاد. لكل هذه
الأسباب وغيرها، كان من الصعب جدًا عليه أن يقنع المواطنين بشرعية حكمه ووراثته
للسلطة، فلا شرعية دستورية لتلك الوراثة، ولا شرعية تقليدية دينية، لذا حاول أن
يفرض حكمه بالقوة، من خلال التخلص من معارضيه، وفرض مبدأ صارمًا، يعدّ سابقة في
تاريخ تلك الدولة، وهو مبدأ: القبول
بالبيعة أو الموت.
وكان الحسين بن علي، من طليعة المعترضين على هذا التوريث،
رافضًا القبول بالبيعة، وبما أنه من "أحفاد الرسول"، فقد كان له مكانة
خاصة بين المسلمين، وكان يزيد يحتاج الى أن يكسب منه - بشكل خاص- اعترافًا بشرعيته،
لكي يستطيع أن يحكم البلاد، بدون معارضة كبرى تقوّض له حكمه.
كان يزيد، يدرك تمامًا مدى تأثير الحسين على الأمة، لذا حاول أن
يأخذ منه الاعتراف بشرعية حكمه بأي طريقة، وبأي ثمن. وبما أن الحسين قد تربى في كنف جدّه وورث عن أبيه وأمه العنفوان
وعدم الرضوخ للتهديد وعدم التراجع عن المهمة، وقد تعلّم منهم مقاومة الظالم مهما
كلّف ذلك من أثمان معنوية ومادية، قد تصل الى التضحية بالنفس ( وهنا افتح نافذة لأشير
الى مقاومة فاطمة الزهراء التي امتدت خلال حياتها وبعد مماتها) كان من المستحيل
عليه أن يقبل بالاستسلام أو الخضوع للابتزاز، أو القبول بتسوية مجحفة، أو الخضوع
للترهيب.
وهكذا، تطورت الأمور لتحصل الواقعة في كربلاء، فكيف يمكن لنا أن
ننظر لها ونقيّمها من ناحية قانونية مجرّدة. علمًا أنه من المنطقي أن لا نحكم على تلك
الواقعة بمنظار القانون الدولي الانساني الحالي، انطلاقًا من مبدأ عدم رجعية
القوانين، لذلك سيكون الحكم والتقييم، انطلاقًا من القانون السائد في الدولة
آنذاك، أي القانون الاسلامي، وبالأخص قواعد الحرب في الاسلام.
ثانيًا: في حق الحسين
بالمقاومة ورفض البيعة
لقد أكد الاسلام على حقّ المقاومة ليس
كحق فحسب، بل كواجب أيضًا وذلك في نصوص عدّة، ومنها في الحديث النبوي الشريف: من رأى منكم منكراً فليقوّمه بيده، فان لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
يقول المفكرون إن خيار المقاومة يعكس انهيار ثقة المواطنين
بالدولة، فاما أن تنشأ المقاومة لتقاعس السلطة عن أداء مهماتها في حفظ الارض
والشعب من الاعتداءات الخارجية، فيقوم الشعب أو جزء منه بالدفاع عن الارض ومقاومة
الاحتلال، او تنشأ لمقاومة استبداد السلطة وتعسفها فتطمح إلى بناء سلطة بديلة
قادرة على تلبية مطالب المجتمع المتعلقة بالحرية الضامنة للكرامة والهوية.
ومن
البديهي القول ان المقاومة ليست اعتداء على الغير بل هي استعادة لحق مسلوب، وليست
مجرد ممارسة للعنف، بل إنها فعل إنساني طبيعي للحفاظ على الوجود والعيش بكرامة وحرية.
ولهذا تشمل المقاومة جميع جوانب الحياة المادية والمعنوية، فقد تكون عسكرية،
ثقافية، سياسية، اقتصادية، تقنية وإعلامية كما تختلف أنماطها فتكون فردية أو
جماعية، داخلية أوخارجية... لأنها دفاع عن الذات، عن الجماعة وعن الوطن .
وبما أن البيعة
ممارسة لإرادة حرّة وليست فرضًا وإملاء، نستطيع أن نقول أن ثورة الحسين وحركة
مقاومته لم تكن خارجة عن القانون المعتمد والمعترف به في تلك الدولة، بل كانت
تعتبر ثورة إصلاحية مشروعة من ضمن الأصول المعتمدة، والموصى بها من قبل جدّه.
ثالثًا: في مشروعية الحرب التي شنّها
يزيد
بداية،
أريد أن أؤكد أن توصيف "حرب" لا ينطبق على ما حصل في كربلاء، فالحرب
مواجهة تحصل بين طرفين يستخدمان فيها القوة العسكرية، وتفترض أن يكون جيش مقابل جيش أو قوة منظمة. انطلاقًا من هذا
التعريف، لا يمكن الإدّعاء أن ما حصل في كربلاء كان حربًا، فالإمام الحسين لم يكن
على رأس جيش بل كان الجمع مؤلفًا من 72
شخصًا مقابل جيش بكامل عتاده وعديده... لذا لا يمكن توصيفها أنها حرب، بل
هي مجزرة فعلية.
وحتى
إن سلمّنا أنها حرب، فشن ّالحرب بموجب القانون الاسلامي السائد آنذاك، كان يفترض
قواعد وشروط، فالاسلام لم يقرّ الحرب بوصفها سياسة وطنية أو وسيلة مفضلة لحسم
النزاعات، بل لا تكون حرب إلا إن كانت هناك ضرورة ملّحة للجوء إاليها، أو إن فرضت
فرضًا على المسلمين ولم يكن هناك من طريق لحل النزاع بوسيلة أخرى، ما يعني أن
اللجوء الى القوة العسكرية، يجب أن يكون الخيار الأخير في حل النزاعات خاصة بين
المسلمين أنفسهم.
وللحرب في الإسلام فلسفة يمكن إجمالها
في النِّقاط التالية[1]:
أولاً: أما أن تكون حرب لإقرار
الحق، ودَحْض الباطل.
ثانيًا: أو لردِّ الاعتداء، لا لإبادة الأعداء.
ثالثًا: أو لنَشْر العقيدة
الإسلامية وحمايتها، دونما إلزامٍ لأحدٍ بها.
رابعًا: أو لمَنْع الظلم
والإفساد في الأرض.
خامسًا: أو حماية الدِّيانات
الأخرى من أن تُمحى[2].
أيًا من هذه الشروط لم تكن متوافرة في
حرب يزيد على الحسين وأصحابه، فيزيد كان هو مَن منتهك الحق، ولم تكن الحرب ضرورة
ملّحة فالحسين لم يكن في حالة اعتداء عليه[3]،
ولم يكنّ يزيد يحارب لمنع الظلم والإفساد في الأرض بل كان هو مصدرهما....
وحتى مبدأ الاستباق الذي يمكن أن يتمّ
التذرع به للقول بالدفاع عن النفس ( أي أن الدولة تشنّ حربًا استباقية على خصم
يتحضر لمقاتلتها) فلم يكن متوافرًا في الحالة هذه، لأنه يرتكز على وجود خطر حقيقي "جاهز وموجود”، وهو ما لا تستطيع فرقة مؤلفة
من 72 شخصًا تشكيله في معركة معروف سلفًا أنها ساقطة عسكريًا.
وهكذا، نجد أن العمل العسكري الذي قام
به يزيد، كان عملاً عدوانيًا بامتياز، ولا يتصف بأي مشروعية قانونية، ولا يندرج ضمن
الأصول والقوانين والأعراف المعتمدة في الدولة الاسلامية آنذاك، هو استعمال مفرط للقوة
لم تفرضه الضرورة ولا قاعدة التناسب ولم يكن مبررًا في ظرفه ومكانه.
رابعًا: قانونية الأعمال العسكرية
بموجب قواعد الحرب المعتمدة
عندما نتحدث عن قواعد الحرب، لا نتحدث
بطبيعة الحال عن قانون النزاعات المسلحة الحديث، أو ما بات يطلق عليه اليوم
القانون الدولي الإنساني، بل نقوم بتقييم الأعمال العكسرية في الواقعة الكربلائية
من منطلق قانون وقواعد الحرب في الاسلام، والتي سبقت بكثير التطور الحديث في
القانون الدولي الانساني الذي لم يبرز إلا في نهاية القرن التاسع عشر وتطور مع
اتفاقيات جنيف وبروتوكلاتها خلال القرن العشرين.
تاريخيًا،
ومنذ المعارك التي خاضها النبي محمد، وضع الإسلام واجبات شرعية على المقاتلين المسلمين ألا يتخطوها، وفرضت على العسكر المقاتل قواعد صارمة
يجب أن يلتزموا بها قبل الحرب وخلالها وبعد انتهائها.
ولقد
خالف يزيد وجيشه، قواعد وقوانين الحرب في الاسلام وأهمها ما يلي:
1- انتهاك
صارخ لحق الإنسان في الحياة، الذي أقرّه الاسلام بشكل واضح، عندما نصّ القرآن
الكريم في آية واضحة: }من
قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض كمن قتل
الناس جميعًا{ (المائدة: 32).
وبما
أن الحرب التي شنّها يزيد، لم تكن من أجل إصلاح أو منع الفساد والمنكر، فيكون عمله العسكري خارقًا
لهذا المبدأ الأساسي في القرآن، بصورة واضحة.
2- خرق
فاضح لمبدأ التناسب الذي أتى به الاسلام، والذي يعني أن يكون الاعتداء بمثل
نوع العدوان {فَمَنِ
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا انَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }.
بداية لم يكن
هناك اعتداء من قبل الحسين، وثم لم يكن هناك أي تناسب بين الفريقين المتقاتلين،
ولم تكن الافعال المرتكبة من قبل جنود يزيد متناسبة مع الأفعال التي قام به فريق
الإمام الحسين. طلب الحسين ان تفتح الطريق أمامه ليكون فردًا من المسلمين له ما لهم
وعليه ما عليهم و لكن أصرّ الخصم على القتال.
3- خرق لمبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين
كان للإسلام السبق في التمييز بين
المقاتلين وغيرهم من المدنيين الذين لا يقاتلون. حيث يُروى عن النبي محمد أنه قال موصيًا زيدًا بن حارثة لما أرسله إلى
مؤتة: "لا تقتلوا وليدًا ولا أمراة وكبيرًا ولا فانيًا ولا منعزلاً بصومعة". وفي هذا الإطار، يكون الاستنتاج من مقارنة
قوانين الشريعة الإسلامية وقوانين الفروسية الاوروبية في القرن الرابع عشر، أن قوانين الشريعة الإسلامية حمت
المدنيين غير المشاركين في القتال كحق، بينما شكّلت حمايتهم في قانون الفروسية التزامًا من
جانب النبلاء أي إن
الحماية أتت كهدية أو منحة من الأقوياء أو الرؤساء لمن هم أدنى درجة.
لقد خالف عسكر يزيد هذا المبدأ الأساسي من
قواعد الحرب في الاسلام، فلم يميّزوا بين المقاتلين والمدنيين، بل قاموا بقتل
وإطلاق السهام بدون تمييز ما يجعلهم مجرمي حرب موصوفين.
4 -
انتهاك لمبدأ عدم جواز قتل غير المشاركين في أعمال الحرب
يُحكى أن النبي محمد رأى في إحدى الغزوات
امرأة مقتولة فغضب كثيرًا، وقال: ما كانت هذه تقاتِل، لتقاتًل وتقتل. وأمر بأن
ينطلق رسول من قبله الى خالد بن الوليد، ليقول له:
إنَّ رسول الله يأمرك، ويقول: لاتقتلن ذريّة ولا عسيفاً.
وهكذا،
أقرّت قوانين الحرب في الاسلام أنه لا يجوز قتل غير المحاربين، إلا إذا اشتركوا في
الحرب فعلاً برأي أو قول أو إمداد أو قتال أو تحريض. وهذا يتشابه مع قواعد قانون
القانون الدولي الانساني الحالية، حول وجوب التمييز وحصانة غير المشاركين في
الأعمال العدائية.
من هنا، إن أعمال القتل التي قام بها جند
يزيد، لمن لم يكونوا مشاركين في القتال، وقتل أولاد عائلة الحسين وأطفاله، يعدّ
جريمة كبرى ومخالفة واضحة لقانون الحرب الاسلامي، ولها عقابها عند الله كما يقول
الدين الاسلامي.
5- مخالفة مبدأي لا تغدروا وارحموا
لقد نهى النبي محمد عن الغدر واشترط على
المقاتل المسلم أن يقاتل بشرف وأن لا يقتنص عدوّه غدرًا
وظلمًا وأن يرحم حين يستطيع. لم يمتثل المقاتلين التابعين ليزيد لهذه
المبادئ، بل لقد تمّ غدر وقتل الذين ذهبوا للاستحصال على المياه للشرب للأطفال
الرضّع، برميهم بالسهام. ولم يكن هناك رحمة بالأطفال ولا بالمرضى، بشكل لا يقبله
قانون انساني أو ديني.
6-
انتهاك لقاعدة واضحة جدًا: عدم التنكيل أو التمثيل بالجثث
إن ما قام به جند يزيد بقطع رأس الحسين
والتمثيل بجثته، أمر ترفضه كافة الشرائع السماوية والقانون والأعراف في أي دولة أو
حضارة إنسانية.
وفي الاسلام بالتحديد، نهى النبي محمد
بشكل واضح وصارخ، عن التنكيل والتمثيل بالجثث، فالميت له حرمته، حتى لو كان
كافرًا. ولقد قال النبي لاتباعه: إياكم والمثله ولو بالكلب العقور. وأمر بدفن قتلى
الكفار في المعارك، ومنع ترك الجثث في الشوارع حتى لا تأكل منها الحيوانات.
لقد
خرجت الأفعال التي قام بها جند يزيد عن كل معايير اخلاقية ودينية وقانونية،
فالقواعد المتبعة آنذاك أكدّت على مبدأ عدم التمثيل بالجثث، وأمرت بأن يكون مصير
الجثة أحد أمرين:
-
أما دفنها لكي لا تبقى على وجه الأرض، كما فعل النبي مع قتلى قريش بعد معركة بدر.
- أو تسليمها إلى العدو كما حصل في تسليم جثة
نوفل بن عبد الله عقب معركة الخندق.
7- انتهاك صارخ لحرمة الأسرى
وضع الإسلام منهاجًا في معاملة الأسرى
جوهره التكريم والمحافظة على كرامة الأسير والمحافظة على حياته وذلك في آيات عدّة
في القرآن الكريم. (البقرة:85، الأنفال: 67- 68، الأنفال 70-71، الخ...) وتتلخص مبادئ
حرمة الأسير في الاسلام في: حسن المعاملة، عدم جواز
قتله، الرفق بالأسير وإطعامه، وحتى وإن كان كافراً. ولو عجز الأسير عن المشي لا يجوز
قتله، ولا يجوز تعذيب الأسير بالجوع والعطش وغيرهما من أنواع التعذيب. زد على ذلك، أن الشريعة الإسلامية
كانت قد نهت عن وضع الأغلال في أيدي الأسرى، وأمرت بتركهم أحرارًا من دون تقييد أو
تحديد لحركتهم.
فإذا كان الإسلام قد عامل الأسير - الرجل
المقاتل- بهذه الطريقة الأخلاقية، فكيف بالنساء والإطفال الذين لم يشاركن بأعمال
القتال؟.
زد
على ذلك، إن فعل السبي الذي حصل مع نساء عائلة الحسين- وهم أهل بيت النبي محمد- قد
انتهك أولاً معايير السبي المعتمدة في الاسلام من ناحية أولى، ثم إن الاهانات وأعمال
التعذيب والاذلال التي تعرضن لها، قد انتهكت كل المعايير القانونية التي وضعها
الاسلام، بالاضافة الى انتهاكه لكل المعايير الاخلاقية والإنسانية من ناحية ثانية.
خاتمة
لا
شكّ أن ما حصل في كربلاء من قتل متعمد، وحرمان تعسفي للحياة، ومنع الأطفال
والمدنيين من الوصول الى مياه الشرب، وتمثيل وتنكيل بالجثث، يمكن اعتباره جرائم
حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان، بالاضافة الى الانتهاكات الجسيمة لقواعد
وقانون الحرب في الاسلام. وقد حصل افلات من العقاب وعدم محاسبة المرتكبين في حينه.
وبما أن التجارب دلّت أن المنتصر هو من
يسنّ القانون، ويقيم المحاكم للمهزومين ويكتب التاريخ... فإن بقاء الثورة الحسينية
لغاية الآن، وعدم قدرة يزيد ومن بعده على تزوير الحقائق، وكتابة تاريخ مشوّه حول
الثورة الكربلائية، يعني أن ثورة الحسين قد انتصرت، وإن الظلم لم يستطع أن ينتصر
على نور الحق المنبثق منها.
لكن،
وبالرغم من قسوة المأساة وفجاعتها، من المؤسف أن تبقى رسالة الحسين وقيم عاشوراء
أسيرة داخل جدران الحسينيات، بدل أن تخرج منها وتفرد جناحيها لتنطلق الى رحاب الانسانية
الأوسع، وتجعل من هذا الظلم التاريخي عجلة تدفع الاسلام الى نهضة تنويرية؛ تخرج الأحقاد
من التاريخ فتفجّر قيمًا انسانية تدعو الى رفض الظلم والطغيان وتدعو الى الوقوف مع
الحق مهما كان الثمن.
وهنا يتبادر الى الذهن تساؤلان
مشروعان:
- متى يستطيع الفقهاء المسلمون، من شيعة
وسنّة، إخراج الواقعة الكربلائية من المقاربة العاطفية الغرائزية الى المدى الإنساني
الأرحب؟
- متى يخرج يزيد من حياة وفكر
المسلمين، ليتأتى لهم بعدها القدرة على تأطير الواقعة الكربلائية في مشاكل الناس الحديثة،
والاستفادة من الآثار الفكرية لثورة الحسين وقيم استشهاده؟
أما
آن الأوان لمصالحة تاريخية تقوم على الاعتراف بالظلم الذي حصل والاعتذار والمسامحة،
فالحقد لا يورث الا الحقد، والمسامحة والغفران لا تعني النسيان، بل ببساطة إنها
تعني وضع الحقد جانبًا للاستفادة من التاريخ وعبره، في بناء الحاضر ورسم طريق
المستقبل.
[3] وخاصة أن الإمام الحسين
اتبع المبادئ التي اعتمدها والده الإمام علي في الحروب، ومنها عدم البدء بالقتال،
وذلك من أجل تلافي سفك الدماء وإعطاء الفرصة للخصم للتراجع عن موقفه بشنّ الحرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق