د. ليلى نقولا الرحباني
يطلّ الاسبوع وفي جعبته تطورات هامة، قد تؤدي الى إعادة فرز للقوى السياسية الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط والخليج على أبواب عيد الاضحى، فالجولة المقبلة للمفاوضات بين مجموعة ( 5 + 1 ) وطهران المقررة في 15 و16 تشرين الأول في جنيف، ستكشف حقيقة النوايا الأميركية والاوروبية تجاه طهران، وستكشف مدى صدقية الابتسامات والتحيات المتبادلة بين الطرفين.
ولعل مؤشرات خلط الأوراق المنتظر في المنطقة، والتي - إن حصلت- قد تدفع الى تسوية سياسية على مستوى المنطقة ككل، وستؤدي الى إطفاء الحريق المستعر في كل من سوريا والعراق ولبنان، تظهر من الساحة السورية بالتحديد، ومن نشاط القوى المعادية للدور الايراني، ومن تصريحات الغربيين أنفسهم، وهي على الشكل التالي:
- توجّه اسرائيلي الى فرنسا بعد واشنطن، للتحذير من خطورة التقارب مع ايران، فقد بحث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند هاتفيًا الملف النووي الإيراني، وكما اوباما قبله، لم يستطع نتنياهو على الاستحصال من الرئيس الفرنسي سوى وعد بـالحزم، بدون وعود على تغيير المسار الانفتاحي تجاه ايران، انطلاقًا من الادراك أن القطار قد سار ولا امكانية للفرنسيين على ايقافه، وتطبيقًا لمقولة (رحم الله امرئ عرف حدّه فوقف عنده).
- توجّه سعودي الى فرنسا أيضًا، فقد أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل محادثات مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس في باريس تركزت على الوضع في سوريا، ومناقشة موضوع الانفتاح الغربي على ايران. ولعل السعودي يخشى أن يذهب الغربيون الى تسوية كبرى مع ايران تزيد من نفوذها الاقليمي، بدون الأخذ بعين الاعتبار وجهة النظر السعودية ونفوذها في منطقة الخليج ومصالحها في الشرق الاوسط. والمعضلة التي يواجهها الطرفان السعودي والفرنسي، أن الإدارة الأميركية لم تكشف لحلفائها ما هي الأسس التي على أساسها قامت بالصفقة الكيميائية مع روسيا، ولم تحفظ لهما ماء الوجه خلال المباحثات الممهدة لها مع الروس، فالسعودية وفرنسا هم الدولتان الوحيدتان اللتان أعلنتا أنهما مع الرئيس اوباما في أي ضربة عسكرية يشنّها ضد سوريا، واندفعت السعودية الى تقديم عرض مالي كبير مقابل الضربة، قال عنه جون كيري بأنه مغرٍ بشكل لا يمكن رفضه. وبالرغم من كل ذلك لم تقم الولايات المتحدة الأميركية باستشارتهما أو التنسيق معهما حينما تراجعت.
والآن، يشتكي حلفاء أميركا بأنها تعتمد سياسة الغموض حول ما تقوم به مع الجانب الروسي في شأن المؤتمر المنوي عقده جنيف 2، إذ إنها تعلن بأنها تريد مسارًا انتقاليًا في سوريا، لكن لا أحد من الحلفاء في صورة ما يجري بين الجانبين الروسي والأميركي، ولا أحد يعرف تحديداً كيف تخطط هذه الإدارة مع الجانب الروسي لرسم خريطة هذا المسار الانتقالي.
- إن الانهيار الذي تعاني منه المعارضة المسلحة بكافة فصائلها، سيجعل من قتال الكل ضد الكل الذي تمارسه، يبقي على الأقوى والأكثر تنظيماً وتمويلاً بينها، وهو (القاعدة وأخواتها)، التي سيستعملها النظام وأعداؤه على حد سواء. يستفيد النظام من سيطرة القاعدة للقول أن ما أعلن عنه سابقاً بأنه يحارب الارهاب نيابة عن العالم قد ثبتت صدقيته، أما أعداء النظام من القوى الاقليمية فسيستخدمونها للدفع نحو المطالبة بالمزيد من المكاسب في الحل السلمي وإلا هددوا بالاستمرار في تمويلها.
هكذا، وفي خضّم التبدلات الحاصلة التي ستؤدي الى خلط الاوراق مجدداً، يشعر المعارضون وداعموهم الاقليميون بالقلق والخشية مما ستحمله الايام القادمة. فقد بات الجميع مدركًا أن صفقة الكيمائي ستعود فتنتج صفقة أخرى يتقاسم فيها الاطراف أعباء التخلص من القاعدة، وستكون المعارضة السلمية الوطنية وبعض الشخصيات المعتدلة من الائتلاف - التي لم تستدعِ التدخل الخارجي أو تلوّث يدها بدماء السوريين هي المحاور للنظام - حصراً في جنيف 2 وهو ما طالب به بشار الأسد منذ البداية. لذا لا حلّ أمام هؤلاء إلا الاتفاق على معادلة لابلاغها بشكل واضح للحلفاء الأميركيين، أنه لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي وتسوية في المنطقة بدوننا، فإما أن تؤخذ مصالحنا بعين الاعتبار، أو أن الحرب ستستمر لمدة طويلة، وقد يكون هذا جوهر اللقاء السعودي الفرنسي في باريس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق