د. ليلى نقولا الرحباني
صدر قرار مجلس الأمن الدولي (2118) بالاجماع، مديناً أي استخدام للأسلحة الكيميائية في سوريا، وخاصة الهجوم الذي وقع في الحادي والعشرين من آب الماضي، ومستنداً على قرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذي يشمل تدابير خاصة للتدمير العاجل لبرنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا والتحقق الصارم من ذلك.
وفي تقييم لهذا القرار، يمكن إدراج الملاحظات التالية:
أولاً: يظهر من خلال نص القرار، وفي معظم بنوده العملية، اعتراف واضح بشرعية السلطة السورية المتمثلة بالحكومة السورية وإداراتها العاملة. وبعكس ما روّجت له الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها من غربيين وأتراك وعرب، حول سقوط شرعية الحكم السوري وآخرها ما ورد على لسان الرئيس الأميركي باراك اوباما، فإن القرار يؤكد على شرعية النظام السوري، ويجعل الحكومة السورية السيّدة هي المخوّلة حصراً بتنفيذ الاتفاق الذي وقّعته مع منظمة حظر الاسلحة الكيميائية، كما يطلب منها قبول الموظفين الذين تعيّنهم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أو الأمم المتحدة، ويعهد لها توفير وضمان أمنهم وتأمين سلامتهم بما يضمن التمتع بالحصانات التي تتوفر للعاملين الدوليين.
في المقابل، إن اعتراف أعلى سلطة دولية وهي مجلس الأمن، وبالاجماع، بشرعية الحكومة السورية، قابله سقوط هائل لشرعية الائتلاف السوري وحكومته التي تمّ تعيينها مؤخراً، بتزايد عدد الفصائل المسلحة التي أعلنت عدم اعترافها بالائتلاف كممثل للشعب السوري، خاصة أنه وبالاضافة الى المجموعات الاسلامية المتشددة ، كانت قيادات في (الجيش الحر) قد أعلنت رسمياً الانضمام إلى الفصائل المسلحة المعارضة التي سحبت اعترافها بـ (الائتلاف السوري المعارض)، واتهمته بالانحراف عن مسار الثورة وتهميش القوى الفاعلة على الأرض، كما أعلنت عدم الاعتراف بقيادة الأركان العامة المتمثلة بالعميد سليم ادريس ومن حوله.
ثانيًا: برزت التسوية الأميركية - الروسية واضحة بصيغة لا غالب ولا مغلوب في متن القرار من خلال الإشارة الى المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيميائية، فبعكس المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة السورية (حصراً) بتطبيق الاتفاقيات مع الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فإن قرار مجلس الأمن لا يشير بأي شكل من الأشكال الى مسؤولية الدولة السورية عن الهجوم الكيميائي الذي حصل في الغوطة في 21 آب \ أغسطس الماضي، بل تحدث القرار عن الهجوم بصيغة تجهيل الفاعل، وأدان الاستخدام للأسلحة الكيميائية بشكل عام بدون أن يدين جهة معينة أو يحمّلها المسؤولية. ثم حظّر القرار على (أي طرف في سوريا) امتلاك أسلحة كيمائية أو استخدامها الخ، وفي ذلك انتصار لوجهة النظر الروسية التي اتهمت أطرافًا من المعارضة باستخدام الأسلحة الكيميائية.
ثالثًا: لا يقرر المجلس مسبقًا ما ستكون عليه الاجراءات العقابية في حال عدم الامتثال، بل يتحدث القرار عن استعداد المجلس للنظر من جديد، في أي تقارير من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقدم في إطار المادة الثامنة من اتفاقية الأسلحة الكيميائية، التي تنص على إحالة قضايا عدم الامتثال إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ وعليه - وكما جاء في الفقرة الأخيرة من القرار- على أنه في حالة ثبوت عدم الامتثال سيتم فرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بدون تحديد ماهية تلك التدابير.
رابعًا: بتأكيده على أولوية الحل السياسي، فإن القرار يلزم الجميع بالذهاب الى مؤتمر جنيف بدون شروط، بل والعمل على تسهيل الحل (بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، وتُشكل على أساس التوافق)... إن هذا الأمر سيشكّل إحراجًا لقوى المعارضة السورية التي اشترطت رحيل النظام قبل قبولها بالذهاب الى جنيف، هذا بالاضافة الى أن العبارة التي تضمنتها الفقرة التالية وهي تشديد المجلس على ضرورة أن تمثل هذه الأطراف شعب سوريا تمثيلا كاملا، سوف تشكّل احراجًا إضافياً للمعارضة المدعومة من الغرب، بعدما ازداد عدد المتنصلين منها معتبرين أنها لا تمثل القوى الثورية في الداخل.
في المحصّلة، إن القرار الأممي وما رافقه وما سبقه من تطورات في سوريا وخارجها، بات يفرض على المعارضة السورية التواضع والقبول بالحل السياسي المستند الى تقاسم السلطة، وإلا فإن تأخر الوقت، ومع جنوح الفصائل الى عملية تدمير ذاتي مميتة، سوف يجعلها تندم على تضييع آخر فرصة لخروج سوريا من دوامة العنف والاحتراب، أو للخروج بمكاسب واعدة تعطيها حصصاً ذا قيمة في السلطة السياسية.