د. ليلى نقولا الرحباني
نُشر في الثبات في 30 أيار 2013
ها قد حلّ الخبر اليقين على اللبنانيين؛ تمديد لعمر أزمة تطال حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في الصميم، فبعد يوم الجمعة، ستنتهي مسرحية الانتخابات، وسيتفرغ اللبنانيون لرصد التقدُّم على جبهات القصير، والقتال "بالواسطة" على جبهات طرابلس، وحركة التكفيريين المتصاعدة في عرسال العصيّة على السلطة اللبنانية، بتواطؤ مفضوح ضد الجيش اللبناني من السلطة السياسية، التي لم تعطه الغطاء السياسي الكافي ليحاسب من نكّل بالنقيب بشعلاني والرائد زهرمان منذ أشهر، ويفرض هيبته ويحافط على قوته الردعية، ما جعل ثلاثة من المجنّدين يستشهدون غدراً وظلماً، على وقع الاستنكارات السياسية المنافقة، والتنديد اللفظي الذي لا يرقى إلى مستوى الحدث الجلل.
وبانتظار جلاء المشهد السوري، يبدو أن لكل طرف سياسي أسبابه الخاصة للتمديد وإطالة عمر مجلس نيابي ونواب شابت عملية انتخابهم الكثير من عمليات الاحتيال والتلاعب بالنتائج، من صرف أموال طائلة لشراء الضمائر، واستعمال "السياحة الانتخابية" للمغتربين اللبنانيين الذين نُقلوا بمئات الآلاف إلى المناطق الحساسة ليغيّروا معادلات التصويت، ومنها استعمال التحريض المذهبي غير المسبوق، والذي كاد يفجّر فتنة مذهبية في البلاد.
والأسباب التي تدفع "المستقبل" وحلفاءه إلى التمسك بالتمديد وإطالة عمر الأزمة، تختلف عن أسباب قوى 8 آذار لذلك، بينما ينفرد "التيار الوطني الحر" ونوابه برفض التمديد انطلاقاً من أن الأربع سنوات الماضية من عمر التجربة النيابية لم تقدم شيئاً باهراً للبنانيين ليتم التمديد لها، ولم يظهر أن نواب الأمة كانوا على مستوى الأحداث التي تعصف بالمنطقة والحريق الذي يكاد يمتد إلى وطنهم للتمسك بهم لمدة سنة ونصف مقبلة.
أما "المستقبل" وحلفاؤه، فيحتاجون إلى التمديد لأسباب عدّة، قد يكون منها معرفتهم المسبَقة بأن السياسات التي انتهجوها في العامين الماضييْن، والتي أدخلت الإرهابيين ومسلحي "الجيش الحر" إلى لبنان، وكشفت الجيش اللبناني سياسياً، لا تتمتع بالشعبية الكافية، كما أن الأحزاب المسيحية المتحالفة معهم تبدو في أدنى شعبية لها، فقد تبيّنت خطورة خياراتهم على لبنان التعددي بالتحالف مع التكفيريين، وإسقاط القانون الارثوذكسي، بالإضافة إلى عدم قدرة المموّلين العرب على دفع "مليار دولار" جديدة لتأمين نجاح هذه القوى في الانتخابات، بسبب تحويل الأموال إلى دعم مسلحي المعارضة في سورية، ومدّهم بالسلاح.
أما قوى 8 آذار، فتتباين أهداف الرئيس بري عن "حزب الله"، الذي قد تعود رغبته في التمديد إلى انغماسه في "معركة وجودية" في سورية، حددها السيد نصرالله في خطابه الأخير، حين صوّب وجهة الصراع الدائر بين محورين؛ محور المقاومة ومحور غربي - "إسرائيلي" يستخدم التكفيريين في القتال ضد النظام السوري أملاً بإسقاط سورية، لينتقل بعدها للقضاء على المقاومة في لبنان، وإشاعة عدم الاستقرار والقضاء على التنوع والتعددية الموجودة فيه، من خلال تهجير المسيحيين وإثارة اقتتال مذهبي سُنّي - شيعي، ستنتقل تداعياته إلى العالميْن العربي والإسلامي، الذي سيغرق في حروب التكفير والجهل والعودة إلى قرون ما قبل الإسلام.
انطلاقاً من ذلك، أعلن السيد نصرالله ضمناً توسيع عمليات "حزب الله" في سورية، فلم يعد الموضوع فقط دفاعاً عن لبنانيين في القصير أو عن مقام السيدة زينب، بل أعلن بكل وضوح أن المقاومة ستقاتل للدفاع عن لبنان وسورية وفلسطين، في جميع المناطق السورية التي يحتاج الجيش السوري إلى المساعدة فيها، خصوصاً تلك المحاذية للبنان، وأعلن ما يشبه الحرب الاستباقية التي تجنّب لبنان والمنطقة السيناريو الكارثي الذي يُحضّر لهما، ومبدأ الاستباق هذا موجود في العلاقات الدولية، وهو يعني القيام بعمل عسكري ضد عدو على وشك شنّ هجوم، وتستند إلى وجود خطر حقيقي "جاهز وموجود"، وهو أمر مشروع قانونياً في القانون الدولي.
في المحصلة، يكرّر سياسيو لبنان، وبمشهد مقيت، السيناريوهات التي مهّدت للحرب الأهلية، من استهداف الجيش اللبناني، باعتباره المؤسسة الجامعة المتعالية على كل الصراعات المذهبية، والتي بيَدها أن تحفظ وحدة الأرض اللبنانية وأمن شعبها، بعدما انغمست جميع الأجهزة الأخرى ومؤسسات الدولة في نفق المحسوبيات والمحاصصة والكيدية، إلى تأمين غطاء لمسلحين من خارج الحدود باستباحة جزء من الأرض اللبنانية، واستهداف اللبنانيين في أمنهم ورزقهم وأولادهم، ليكتمل المشهد يوم الجمعة المقبل من مجلس النواب، حيث سيقوم مجلس اتُهمت أكثريته النيابية بأنها لا تعكس فعلياً الأكثرية الشعبية، بالتمديد لنفسه تماماً كما تمّ التمديد لمجلس نواب الحرب الأهلية مدة قرنين من الزمن، إلى أن قام "أبطاله" ببيع السيادة اللبنانية في الطائف السعودي، والتأسيس لنظام سياسي معطّل يحتاج دوماً إلى راعِ ووصي لحل الأزمات والتوسط بين اللبنانيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق