لا شكّ أن أكثر القلقين الآن من حادثة بوسطن الإرهابية وتداعياتها ونتائجها، قد تكون المعارضة السورية، التي لم تستفق لغاية الآن من صدمة إعلان "جبهة النصرة" مبايعتها للظواهري، وأنها جزء من تنظيم "القاعدة" في بلاد الشام.
يدفع هؤلاء اليوم ثمناً سياسياً كبيراً نتيجة التسرع والتعمية التي مارسها "الائتلاف السوري" على ارتباطات "جبهة النصرة" بـ"القاعدة" في وقت سابق، حين قام معاذ الخطيب بانتقاد قرار واشنطن في كانون الأول الماضي إدراج "جبهة النصرة" على لائحة المنظمات الإرهابية، كما انتقد نائبه جورج صبرا القرار، مشدداً على أن الشعب السوري يعتبر "جبهة النصرة" جزءاً من الثورة، لذا قد لا تنفعهم اليوم كل الدعوات التي يدعوها الخطيب وهيتو لـ"جبهة النصرة" لفك ارتباطها بـ"القاعدة" وتغيير اسمها، باعتبار أن فكر "القاعدة" لا يناسب الشعب السوري.
في الواقع، جميع اللاعبين على الساحة السورية متهَمون بشكل أو بآخر بأنهم سهّلوا أو تغاضوا عن تغلغل "القاعدة" في المنطقة، ويمكن أن نذكر منهم ما يلي:
1- النظام السوري: لطالما اتهمت الولايات الأميركية النظام السوري بالسماح بمرور الإرهابيين من "القاعدة" إلى العراق وتقويض قدرة الأميركيين من السيطرة على العراق، وقد عجز الأميركيون في وقت سابق في العراق عن اجتثاث "القاعدة" من العراق، فاستعملوا لهذه الغاية "الصحوات"، والتي تتكون من العشائر السُّنية التي تعشّشت "القاعدة" في مناطقها، فكانت الأقدر على قتال "القاعدة" من سواها، سواء من الجيش العراقي أو الجيش الأميركي.
وقد يكون الحل الأميركي المختبر سابقاً في العراق هو المثال الذي يمكن أن يُحتذى في سورية، حيث إن العشائر السورية المتضررة من "جبهة النصرة" ووجودها في مناطقها، ومن استباحتها للمخزون الزراعي والنفط وبيعه للحصول على المال، قد تقوم بتنظيم نفسها وامتشاق السلاح لمحاربة "القاعدة" وأخواتها، للحفاظ على حياتها وأرزاقها.
2- المعارضة السورية: التركيز على إسقاط نظام الأسد بأي ثمن كان دفع المعارضة السورية و"الجيش السوري الحر" إلى غضّ النظر عن تغلغل "القاعدة" في النسيج السوري، ولعل ما سمّاه وليد جنبلاط "التحالف مع الشيطان" لإسقاط الرئيس بشار الأسد، كان بالتحديد الذريعة التي استخدمها المعارضون السوريون للترحيب بانتشار "القاعدة" في سورية، فـ"جبهة النصرة" كانت الأكثر تنظيماً وتمويلاً، وكانت تحتوي على أشد المقاتلين بأساً، وهو ما دفع المعارضة السورية على تسخيف كل التحذيرات الغربية والمحلية من أن انتشار "القاعدة" في سورية قد يكون الأخطر على الثورة السورية، وعلى الشعب السوري بالتحديد.
3- الغرب وأميركا: على الرغم من كل التحذيرات التي أطلقها الأميركيون حول تغلغل "القاعدة" في المعارضة السورية، إلا أن الأمر لم يتعدَّ سوى إدراج الأميركيين لـ"جبهة النصرة" على لائحة المنظمات الإرهابية، مقابل استمرار تدفّق السلاح والمال، والمقاتلين الجهاديين من جميع أنحاء أوروبا إلى سورية للقتال ضد النظام السوري.
واقعياً وتاريخياً، وبحسب اعتراف هيلاري كلينتون العلني في جلسة استماع أمام الكونغرس الأميركي، كان الأميركيون قد أنشأوا "القاعدة" في أفغانستان لقتال السوفيات، وأعلنت كلينتون صراحة أن الرئيس ريغان والكونغرس وافقوا على فكرة إنشاء "القاعدة"، وأنهم اتفقوا مع باكستان والمخابرات الباكستانية لإنشاء ما سمّتهم "المجاهدين"، وأنهم اتفقوا مع المملكة العربية السعودية على استيراد العلامة الوهابية للإسلام، لهزم الاتحاد السوفياتي، وأعلنت أن الخطة نجحت باعتبار انسحاب السوفيات من المنطقة، وخسارتهم مليارات الدولارات، ما أدى إلى انهيار الاتحاد، لهذا لم يكن الاستثمار في تأسيس "القاعدة" سيئاً برأيها.
أما اليوم، وبعد أن تحولت "القاعدة" إلى ما تحولت إليه، فالسؤال المطروح في سورية: من يستفيد ممن؟ هل يستفيد الغرب وأميركا من وجود "القاعدة" للقتال في سورية، بحيث تقوم بجمع المجاهدين من كل أنحاء العالم، والتخلص من قنابل موقوتة موجودة في أوروبا، وبات المطلوب من الجيش السوري تخليص العالم منهم، ولذلك بات من المجدي إطالة أمد الأزمة؟ أم يستفيد النظام السوري من وجود "القاعدة" كمكون أساسي في الثورة السورية، لشيطنتها أمام العالم، وإظهار نفسه في جبهة واحدة مع الغرب في قتاله ضد الإرهاب العالمي المتنقّل؟
في المحصلة، ومهما كانت الحيثيات والنتائج، لا شكّ أن فكر "القاعدة" ونهجها لا يمكن أن يبنيا ديمقراطية، ولا يمكن أن يبنيا دولة تطمح إليها شعوب المنطقة، ومن يريد أن يستعين بالشيطان سيجد نفسه في جهنم لا محالة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق