يعيش اللبنانيون اليوم
فترة قلق متزايد ترافقت مع استقالة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ودخول البلاد
مرحلة تصريف أعمال، يبدو أنها ستكون طويلة نوعاً ما، خصوصاً بعد التأزّم على صعيد الملف
السوري، الذي يشهد تطورات نوعية وهامة.
وبغض النظر عن الأسباب
التي دفعت الرئيس نجيب ميقاتي إلى الاستقالة، والتي لوّح فيها مرّات عدّة قبل ذلك،
يبدو من المفيد التأكيد على أن الاستقالة لم تكن لتتمّ لو لم يوافق عليها ممثلو الدول
الغربية، والسفير السعودي في لبنان الذي زاره ميقاتي قبل الجلسة الحكومية الشهيرة.
وهكذا، سمحت الدول الكبرى لميقاتي بالمغادرة وأطلقت سراحه، وارتاحت الأكثرية من ابتزاز
تعرضت له على مدى سنتين، قامت فيها بـ"بلع الموس" مرات ومرات، حيث أعطى ميقاتي
التيار الغربي أكثر مما استطاع أن يحصّل له "تيار المستقبل" في سنين عديدة.
ها قد استقال الميقاتي
ودخلت البلاد في مرحلة تصريف الأعمال، فما هي السيناريوهات المحتمَلة للمستقبل؟
السيناريو الأول: انفجار
الساحة اللبنانية، وهو ما يتخوّف منه كثير من اللبنانيين، خصوصاً بعد احتدام المعارك
في طرابلس، والذي حصل قبل استقالة ميقاتي مباشرة، علماً أن احتدام المعارك في طرابلس
قبيل الجلسة الحكومية الشهيرة قد يكون هدفه الضغط على الحكومة اللبنانية وعلى الأكثرية
للقبول بالتمديد لريفي، خوفاً من انفلات الوضع الأمني في البلاد.
بلا شك، إن لهذا السيناريو
تداعيات كبرى على الساحة اللبنانية، وعلى المنطقة بأكلمها، في ظل عدم توازن القوى الميداني
في الداخل، لذلك تخشى الدول الغربية وأميركا أن يكون هذا الانفجار حافزاً لحزب الله
للدفاع عن نفسه وتكرار تجربة "7 أيار"، وبعدها السيطرة على لبنان، ما سيخسّرها
ساحة إقليمية هامة، ونفوذها في لبنان، وهو ما لا تستطيع أن تقبل به.
السيناريو الثاني: حوار
وانفراج تتبعهما حكومة وحدة وطنية، وحيث يكون الربيع الحالي فترة ربيع ووئام لبنانييْن.
قد يكون هذا الحل هو الحل المأمول لدى كثيرين من اللبنانيين، لكن دون هذا الحل صعوبات
عديدة، أهمها الصراع المحتدم في المنطقة، وترابط الساحات اللبنانية والسورية والعراقية،
حيث لا يمكن الوصول إلى حل في أي ساحة، في ظل اشتعال الساحات الأخرى.
السيناريو الثالث: ستاتيكو،
يترافق مع بعض التشجنات السياسية والحوادث الأمنية التي تترافق مع توتر الاوضاع في
سورية، وسخونة الجبهات في الداخل السوري، ومحاولات تبديل موازين القوى، ويتخلله فترات
من الهدوء التي تفرضها أجندات الدول الخارجية المتدخلة في الملف السوري، والتي لها
أذرع ونفوذ في لبنان.
وهو سيناريو قد يكون أقرب
إلى الواقع، خصوصاً أن الساحة اللبنانية مفتوحة على شتى أنواع التدخلات الخارجية ومرتبطة
بشكل وثيق مع الساحة السورية، وبالرغم من أنه لا يُقلق اللبنانيين كما السيناريو الأول،
إلا أن لهذا السيناريو تداعيات على الاقتصاد والإدارة، وعلى صعيد تعطيل وشلّ البلد
وملفاته المؤجَّلة منذ سنوات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السيناريو: ما الذي
سيتغير؟ فحكومة الميقاتي، وتحت ذريعة النأي بالنفس، كانت قد أدخلت البلاد في تعطيل
كامل، ونأت بنفسها عن الأمور الحياتية، وعن سيادتها الاقتصادية والسياسية والأمنية،
وشرّعت الأبواب مفتوحة للميليشيات الأصولية، والجماعات المسلحة لكي تعيث فساداً بأمن
المواطنين وأرزاقهم وأطفالهم ولقمة عيشهم.
في الواقع، لقد دخلت المنطقة
منذ منتصف آذار الماضي ولمدة ثلاثة أشهر - نتمنى أن لا يتم تمديدها - فترة سياسية حرجة،
حيث سيحاول كل طرف من أطراف الصراع الدولي والإقليمي استعمال كافة وسائل القوة والنفوذ
لديه لتحصيل الكمّ الأكبر من أوراق القوة قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهكذا سيعيش
لبنان فترة سياسية قلقة، سِمتها التشنج السياسي والأمني الذي لن يصل إلى حد الانفجار،
وتصريف الأعمال وتأجيل كل الملفات الحيوية الأخرى.
وهكذا، قد يكون الخاسر
الأكبر من استقالة الحكومة ليس الشعب اللبناني الذي ضاق ذرعاً بسياسات رئيس الحكومة
المذهبية الضيقة، ولا الموظفين الذين وُعدوا بسلسلة تُنصف جيوبهم، ولا الأكثرية التي
رضخت لابتزاز لم يسبق له مثيل، ولا رئيس الحكومة نفسه الذي وخلال سنتين استطاع أن يوحّد
اللبنانيين ضد سياساته، ويجمعهم على الرغبة برحيله.. بالفعل، إن الخاسر الأكبر هو المجموعات
"الوهابية الأصولية" التي دعمها رئيس الحكومة معنوياً وسياسياً، فأولم على
شرف إرهابيّيها وبرّأها حين اعتدت على الجيش اللبناني، وقلِق عليها عندما اصطفّ الشعب
اللبناني بكافة طوائفه وأحزابه ضد إجرامها في عرسال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق