2013/03/31
2013/03/14
ثورة مصر.. من الديمقراطية إلى التاريخ؟
على الرغم من صراحته التي تزعج كثيرين، كان لافتاً ما قاله هنري كيسنجر عندما صنّف الثورات بنوعين: ثورات ديمقراطية، وأخرى تاريخية، معتبراً أن ثورة مصر من النوع الثاني، التي لا تترك في أعقابها إلا الدمار، ولم يستفد منها إلا العسكريون و"الإسلاميون"، فالشباب الذين دعوا للثورة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكن لديهم خطة واضحة لما بعد الثورة، وفى نهاية الأمر سيندلع صراع بين الجيش وجماعة "الإخوان".
بغض النظر عن صحة التنبؤ بأن الصراع سيندلع بين الجيش و"إخوان" مصر بالفعل، أو أن الأميركيين هم من سيغذون هذا الصراع ويفجرّونه، لكن من المهم لفت النظر إلى تصنيف "الثورة التاريخية" التي لا تترك في أعقابها إلا الدمار، وهو ما يبدو بالفعل من كل "ثورات" الدول العربية التي باتت تعاني من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والكثير من العسكرة المعلنة أو المضمرة.
وإذا كان لا بد للعالم العربي من مراجعة نتائج ثوراته لتقييم نوع تلك الثورة بحسب تصنيفات كيسنجر، فيمكن القول إن الحقائق المصرية تشير إلى ما يشبه كارثة تحكمها أزمات هائلة أهمها:
- أزمة اقتصادية تؤشر إلى ما يشبه الكارثة، فالاحتياطيات الرسمية المصرية من العملة الصعبة تدنت في شهر شباط الماضي إلى 13.5 مليار دولار، وهي ما يكفي لتغطية واردات شهرين أو أشهر ثلاثة فقط، وهو ما يشير إلى كارثة اقتصادية قادمة، بالإضافة إلى أزمة النقص الشديدة في الوقود، والتي أنتجت أزمة هائلة في قطاع النقل، وإلى توقف الكثير من مخابز الخبز وغيرها من القطاعات الحيوية، إضافة إلى توقف قطاع السياحة، خصوصاً بعد الثورة والتوترات الأمنية، والتصريحات المتطرفة.
- معارضة داخلية سياسية شرسة تتكئ على حجم شعبي لا بأس به، وتستطيع معه أن تبقي الحكم غير مستقر سياسياً وفاقداً الشرعية التامّة، خصوصاً مع تململ وثورة القضاء والقضاة على ما اعتبروه هيمنة وتدخل في شؤون السلطة القضائية من قبَل "الإخوان".
- صراع مكبوت وتنافس بين الجيش و"الإخوان"، يغذيه شعور كل طرف بدعم أميركي، ويقابله استياء من قبل أفراد وضباط الأمن من سلطة "الإخوان" وهيمنتهم.
- منافسة واضحة بدأت تبرز إلى العلن بين السلفيين و"الإخوان"، فقد تقاطعت مصالح الاثنين خلال مسيرة القبض على السلطة، لكن المنافسة بدأت بعد احتكار "الإخوان" للسلطات، وما اعتبره السلفيون "أخونة" الدولة من خلال آلاف التوظيفات "الإخوانية" التي كشف عنها السلفيون من خلال ملف جمعوه من مختلف المحافظات.
- تسرّب هائل للسلاح إلى الداخل المصري، عبر الأراضي المفتوحة مع دول الجوار، وهو ما يجعل أي انفجار للوضع في مصر قاتلاً ومؤدياً إلى دوامة عنف قد لا تنتهي بسرعة، بالإضافة إلى أزمة عدم الثقة المستفحلة بين أبناء الشعب المصري المتنوع.
هذه الأزمات الهائلة، ومع إدراك الأميركيين حجم براغماتية "الإخوان"، يمكن أن نفهم زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أتى إلى مصر لفرض شروط سياسية واقتصادية، ما يعني أن الولايات المتحدة الأميركية لن تعوّم الحكم "الإخواني" بشكل كامل، ولن تسمح بانهياره بشكل كامل، إلى أن يلتزم بالشروط الأميركية، وهي تتضمن: الالتزام بأمن ووجود "إسرائيل"، والالتزام بمعاهدة السلام المصرية "الإسرائيلية"، والالتزام بأدوار إقليمية يتفق عليها بين واشنطن والقاهرة، ضرورة قبول مصر بالشروط المطلوبة من صندوق النقد الدولي.
الحقيقة المرّة التي يعانيها العالم العربي، أن ثوراته بالفعل تاريخية، وأن الثورات التاريخية تلك وكما يظهر لغاية الآن، يبدو أنها ستعيد المجتمعات إلى ما قبل التاريخ، وهو ما قد يخدم المخطط الغربي بجعل "إسرائيل" قبلة أنظار الغرب في ديمقراطيتها وتطورها في شرق يعيش التخلف والجهل والاستبداد.
2013/03/13
2013/03/07
التقارير الدولية حول سورية.. تمهيد للتسوية أم موضوعية؟
يعقد مجلس حقوق الإنسان منذ 25 شباط الماضي ولغاية
22 آذار دورته السنوية، يناقش فيها من ضمن مسائل عدّة، التقرير الذي قدمته لجنة التحقيق
الدولية المستقلة حول الوضع السوري.
عند الاطلاع على التقرير الأخير المقدم من اللجنة، يمكن
التأكيد أن هناك تطوراً هاماً وإيجابياً في تحسين الأداء والموضوعية بين التقرير الحالي
والتقارير السابقة التي كانت مُعدّة بطريقة إن دلّت على شيء فإنما تدّل على أحد أمرين:
إما أن أحد أعضاء المعارضة السورية كتبها، أو أعدّها بعض الهواة.
يبدو التقرير الحالي المؤرَّخ في 5 شباط 2013، أكثر اتزاناً
وأقل تسييساً من التقرير الصادر في 16 آب 2012، على الرغم من أنه لم يرقَ بعد إلى المستوييْن
الاحترافي والموضوعي اللذين يجب أن يكون عليه أي تقرير للجنة تقصي حقائق دولية محترفة
وموضوعية، ونبرز بعض النقاط التي يمكن أن تلفت النظر خلال القراءة السريعة للنصّين:
1-
يورد التقرير الحالي عبارة "تمرّد" في أكثر من فقرة، ويختزل الاستنتاجات
السياسية التي ظهرت في التقرير السابق، كمثال "تزايد التأييد الشعبي الذي تحظى
به الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة"، والذي كان استنتاجاً سياسياً مستغرَباً
من لجنة لم تقم بزيارة الأراضي السورية قط، ويعترف التقرير الحالي أن الأهالي يشكّلون
لجاناً شعبية للدفاع عن أنفسهم ومناطقهم ضد المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة.
2-
أسقط التقرير الحالي ما كان التقرير السابق قد دخل فيه من تفاصيل بدت وكأنها حرب نفسية
ليست من مهام لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، كمثال الحديث السابق عن "الحالة
النفسية للجيش السوري المتردية بسبب الانشقاقات، وتزايد أزمة الثقة ضمن ألويته، وعدم
قدرة الحكومة على ضم مجنّدين جدد بسبب رفض الحضور"، علماً أن هذا الاستنتاج أتى
بعد اعتراف مُعدّي التقرير أنه تعذّر عليهم الاتصال بالمسؤولين الحكوميين السوريين
وأفراد القوات المسلحة وقوات الأمن.
3-
اعترفت اللجنة بأنها بنت تقاريرها واستنتاجاتها على روايات الشهود، عبر السكايب أو
الهاتف من جنيف، وأنه لم يتسنّ لها إجراء مقابلات شخصية مع الضحايا والشهود داخل البلد،
لا سيما أولئك الضحايا والشهود الذين يُدّعى تعرّضهم للأذى على أيدي الجماعات المسلحة
المناهضة للحكومة، ما يعني أن التقرير اعترف مسبقاً بأن نتائجه قد تكون متحيّزة لطرف
ضد آخر.
4-
على الرغم من اعتراف اللجنة بأنها لم تستطع زيارة الأراضي السورية للتأكد من صحة الوقائع،
فقد بنت استنتاجاتها واتهاماتها على فرضية "صحة" الروايات التي رُويت لها
من طرف واحد، وبررت ذلك باعتماد عبارة "أسباب معقولة" لاتهام القوى الحكومية
بارتكاب الانتهاكات المختلفة، ولم يذكر التقرير ماهية الأسباب المعقولة تلك، علماً
أنه حين معالجة الانتهاكات التي ارتُكبت من قبل المجموعات المسلحة، لم تورد اللجنة
أي استنتاجات أو اتهامات حاسمة، ولم تتحدث عن أسباب معقولة.
وحين أشارت اللجنة إلى الفيديو الذي يُظهر طفلاً يقطع
عنق أحد الموالين للنظام، أضافت إليه عبارة "لم يوثّق"، لكنها أشارت في فقرة
أخرى إلى أن "مشاهد الفيديو المسجلة للقتلى توضح أن القوات الحكومية أعدمت نساءً
وأطفالاً وشيوخاً".
5-
يتحدث التقرير عن الإعدامات خارج نطاق القضاء، وكان التقرير السابق قد أشار إلى أن
اللجنة لم تستطع التثبت من أن الإعدامات الميدانية التي تمت من قبل المسلحين، قد احترمت
معايير المحاكمة العادلة أم لا! وبينما تعترف اللجنة في تقريرها الأخير، أن "التقارير
الواردة عن أعمال القتل التي ارتكبتها الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة أكثر نسبياً"،
لكنها تعود فتبرر "الفتاوى" الداعية للقتل بقولها: "نظراً إلى اﻧﻬيار
نظام إنفاذ القوانين والقضاء التابع للدولة في بعض مناطق البلد، لجأت الجماعات المسلحة
المناهضة للحكومة، إلى الهياكل الاجتماعية التقليدية، المستندة إلى المؤسسات الدينية
في كثير من الأحيان، لسد الفراغ".
في المحصلة، وعلى الرغم من التحسن الواضح في موضوعية
التقرير الأخير، إلا أنه يبقى على المؤسسات القانونية السورية دراسة هذه التقارير،
وتقديم تفنيد واضح للادعاءات التي سيقت فيها، بواسطة الأطر الدبلوماسية المعتمدة، وهذا
جزء من المعركة الدائرة في سورية، فلا يمكن فصل المعركة القانونية الدولية الدائرة
عن المعارك التي تدور رحاها في الميدان، والتي يبدو أن نتائجها بدأت تعكس نفسها في
التقارير الدولية حول الوضع السوري.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)