أقام المركز الثقافي الروسي بالتعاون مع مركزية مسيحيي المشرق بندوة حول كتاب بطريرك روسيا، كيريل الاول، وعنوانه: حرية الانسان ومسؤوليته : التناغم بين حقوق الانسان وكرامته" وذلك في المركز الثقافي الروسي- فردان في 5 كانون الأول 2012. وقد ناقش الكتاب كل من المونسنيور كميل مبارك، والدكتورة ليلى نقولا الرحباني.
وهذا نص المداخلة التي القتها الدكتورة ليلى نقولا الرحباني:
تكمن أهمية هذا الكتاب في صراحته ووضوحه، إذ لم يلبس البطريرك كيريل قفّازات خلال عرض أفكاره، ولم يحاول أن يلبس لباسًا غير روسيًا ليلاقي الآخر في منتصف الطريق، بل أعلن بكل صراحة عن نفسه وثقافته وروسيته، بدون أن يرفض فكرة أن روسيا يمكن لها أن تتقبل فكرة العالم المتعدد الأقطاب، الذي يحتضن بانسجام، أشكالاً ونماذج حضارية مختلفة.
لا شكّ أننا قد نتفق مع البطريرك كيريل في بعض الأفكار والتصورات، وقد نختلف معه في الكثير منها أيضًا، ولكن لا يمكننا أن ننظر الى الكتاب الا من زاوية ظروفه الثقافية والتاريخية وخصوصيته الروسية. تلك الروسيا الخارجة من إرث طويل من الالحاد، ومن تاريخ طويل من الصراع الثقافي والحضاري مع الغرب، انعكست بصورة جليّة في جنبات هذا الكتاب وفي الأفكار التي جسّدها البطريرك في دفاعه عن كنيسته، التي تعرضت لكثير من الضغوط خلال فترة الحكم الشيوعي، وتتجلى في تصميمه الأكيد على استعادة ما فات، أو ما قد تعرّض للتسيب من خلال إعادة الرعية الى حضن الكنيسة بشتى الوسائل.
برأيي، لا يمكن قراءة الكتاب إلا من خلال الادراك بأنه موجّه الى خاصيته الروسية أكثر مما هو موجه للأمم، أو لمجتمعاتنا العربية.
تعيش المجتمعات العربية حرمانًا هائلاً في احترام معايير حقوق الانسان، ولا ينقصها من يدعوها الى التشكيك بها، كما إن الغرب يعيش حذرًا من المفاهيم الروسية، تشابه المحاذير التي يطرحها البطريرك من المفاهيم الغربية، فإرث من عدم الثقة بين الاثنين لا يمكن أن يمحوه عقدان من الليبرالية والبريسترويكا. وعليه، يكون كتاب البطريرك تعبيرًا صريحًا عما يخالج المجتمع الروسي من شكوك، ودعوة قد تكون صارمة نوعًا ما، تريد أن تدفعه دفعًا الى حظيرته الكنسية من جديد والتي لا يبدو أنه ابتعد عنها كثيرًا بالرغم من عقود عجاف عاشها ايمانيًا وروحيًا وكنسيًا.
قد نختلف مع البطريرك كيريل في تصوراته، خاصة فيما يتعلق بحقوق الانسان، وكرامته التي نعتبرها نحن كرامة كيانية مرتبطة بوجود الانسان ككل وقيمته المستمدة من ذاته وليس من خاصيات أخرى أو معايير ثقافية أو حضارية أو دينية أو جنسية وغيرها.
كما قد يكون لنا نظرة مختلفة حول علاقة المجتمع بالكنيسة ومفاهيم حقوق الإنسان والحرية وغيرها. وقد يكون لنا نحن العلمانيين، الكثير من التحفظات على ما طرحه من أفكار ومبادئ، ولكن ما لا يمكن أن ننكره هو أن البطريرك بما يمثله، يمكن أن يعطي للآخر صورة واضحة عن "مَن نحن" وبماذا نؤمن لكي يستطيع الآخر أن يحدد مدى قربه أو بعده عن هذا الأفكار، ويعطيه صورة حقيقية عما يمكن أن يرسمه من نقاط مشتركة كمنطلق للبحث في المشتركات، على أمل أن يكون هناك حوار جدي يتم الانطلاق فيه الى بحث الاختلافات في تصوراتنا.
بكل الأحوال، نقدّر للبطريرك كيريل صراحته، فهو في كتابه عبّر بوضوح عن خصوصية مجتمعه وثقافته، وعن أفكار صاغتها تجربة بطريركية خاصة وروسية عامّة، تجربة موسوم بعضها بالشكّ فيما يأتيه من الآخر، وبعضها من إرث من القهر والشمولية، وبعضها من تجربة حديثة مع الليبرالية طبعها الفساد والابتعاد عن القيم الأخلاقية. لكننا نشهد له إنه لم يحاول أن يغلق الابواب مع ذلك "الآخر" بل اعتبر أنه يمكن له إيجاد نقاط مشتركة مع الآخرين، واعتبر أنه يمكن لروسيا أن تقدم مثالاً عن الوحدة في التنوع، وأن تقدم نموذجًا للنظام العالمي الجديد، الذي لا يستند الى وحدة عديمة الشخصية في إطار معايير مفروضة بالقوة، ما يؤدي الى كارثة حضارية حتمًا، بل يكون الواحد الجامع في جوهره هو التمسك بالقيم الأخلاقة السرمدية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق