نُشر في الثبات 29 تشرين الثاني 2012
حسناً فعل “الإخوان” في مصر بأن ألغوا التظاهرة التي كانت مقررة يوم الثلاثاء الماضي، رداً على تظاهرة المعارضين ضد قرارات الرئيس المصري محمد مرسي الأخيرة، فالانقسام الذي تشهده الساحة المصرية ينذر بشرّ مستطير، قد لا تسلم منه مصر كلها، فيما لو التحمت المظاهرتان وسالت الدماء في الشارع.
من خلال “إعلانه الدستوري” يكون الرئيس محمد مرسي قد قام بخطأ استراتيجي كبير، سيعود بالخسارة الكبيرة عليه، وعلى الجماعات التي يمثلها، ليس في مصر فحسب، بل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل، ويمكن إدراج عوامل سوء التقدير المؤدي إلى الخطأ في ما يلي:
- يعلم الرئيس مرسي أن المصريين يعيشون إحباطاً لا مثيل له، فهم يعتبرون أنهم خرجوا إلى ثورة، ووجدوها تُسرق أمام أعينهم، وهكذا يكون قد أخطأ في المراهنة على قدرة تحمّل المصريين، وعلى إمكانية “بلع” إعلانه الدستوري، بعدما استطاع سابقاً أن يمرر إحكام السيطرة على السلطة التشريعية والتنفيذية والإعلام والعسكر، من دون اعتراضات تُذكر.
- لم يتحسّب مرسي للعوامل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المتردية في مصر بشكل لم يسبق له مثيل، فالشعب المصري الذي تئنّ غالبيته من الجوع، كان قد وضع آمالاً وتوقعات بتحسّن الأحوال بعد استتاب الحكم الجديد، فإذا بالبطالة ترتفع نسبتها، ولا سياحة تنشّط الاقتصاد، ومظاهر التشدد والانقسامات السياسية تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال، وهبوط البورصة.
- أراد الرئيس مرسي أن يستغل الانتصار الذي تحقق في غزة، فقام مسرعاً بمحاولة إعلان سيطرته على القضاء المصري، قبل أن يجف حبر الهدنة الموقعة بين المقاومة الفلسطينية و”إسرائيل”، متوهماً أنه يستطيع استثمار ما تصور أنه فائض قوة إقليمي ودولي تحصّل لديه، حين أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما إعجابه ببراغماتيته، وامتدحه أفيغدور ليبرمان وشيمون بيريز على أنه رجل دولة، ولم ينتبه مرسي إلى أن مديحاً من المتطرف الصهيوني ليبرمان ورئيسه بيريز، يعني أن عليه أن يقلق، فإما أنه قام بعمل مضرّ بأمته، أو أنهم يريدون تشويه سمعته في أنحاء العالم العربي.
- اللافت للنظر أن الرئيس المصري كان قد اتخذ قراراته السلطوية دائماً بعد مقابلة المسؤولين الأميركيين، بما يشير إلى أنه قد استحصل على ضوء أخضر منهم، فقد أقال المشير طنطاوي والفريق عنان بعد أن قابل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وألغى الإعلان الدستوري المكمل، الذي قلّص فيه العسكر صلاحيات الرئيس، بعد مقابلة ويليام بيرنز؛ نائب وزيرة الخارجية الأميركية، وقام بإعلانه الدستوري الأخير بعد مقابلة هيلاري كلينتون مجدداً.
وبهذا الإطار، يبدو أن مرسي لم يتعظ من تجربة صدام حسين، الذي لطالما تمتّع بدعم أميركي غير مسبوق خلال حربه التي دامت ثماني سنوات مع إيران، وفي النهاية، قامت السفيرة الأميركية آبريل غلاسبي بتشجيعه على الدخول إلى الكويت، من خلال التلميح بأن هناك ضوءاً أخضر أميركياً بذلك، سرعان ما تبيّن أنه فخ دفع ثمنه كل من الكويت والعراق وصدام حسين نفسه.
ولعل فائض القوة المتحصل الذي استشعره مرسي، من إرهاق الشعب والضوء الأخضر الأميركي، ونشوة انتصار إعلامي على “إسرائيل”، جعله يقدم على تلك المغامرة، التي قد تكون إحدى نتائجها أمرين:
- أن تدفع حدة الانقسام السياسي والاحتقان الطائفي وانتشار السلاح، مصر إلى حرب أهلية لن تكون قصيرة الأجل، بسبب تداخل العوامل الإقليمية والدولية والمذهبية والدينية.. وحرب كهذه، إن اندلعت، لن تنتهي إلا بتقسيم مصر، الذي سيشكّل بدوره نوعاً من الدومينو يؤدي إلى تقسيم معظم دول شمال أفريقيا.
- خسارة حلم المشروع “الإخواني” الأممي الذي ظهر بعد الثورات العربية، إن فشل حكم “الإخوان” في مصر، أو حتى تعثّره، وظهوره كديكتاتورية دينية سيكون له تداعيات تشبه تداعيات مقتل السفير الأميركي في ليبيا، حيث سيعيد الأميركيون تقييم سياساتهم في المنطقة، ويعيدون النظر في الدعم الذي يقدمونه لهم، ما يؤدي إلى ترجيح كفة الحل السياسي مع النظام في سورية، وعودة تركيا إلى حجمها الطبيعي، وعودة حماس إلى حضن إيران، ومزيد من الضغوط على الحكم الجديد في تونس وغيرها..
انطلاقاً من كل ذلك، وانسجاماً مع سياساتهم البراغماتية، لا يبدو أن هناك حلاً أمام الرئيس مرسي وجماعة “الإخوان” إلا إعادة النظر في السياسة التي ينتهجونها، والقبول بمبدأ التعددية في مصر، والتوقف عن التعويل على الدعم الخارجي، وذلك لأن استمرارهم في محاولة الاستئثار قد يؤدي إلى أحد الأمرين السابقيْن أو كليهما معاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق