في خضم التحولات الحاصلة في
المنطقة، والتي تتجلى مفاعيلها على المسرح السوري، يعيش اللبنانيون واحدة من أكثر
مراحل عدم اليقين وعدم الاستقرار في تاريخهم الحديث، ويتجلى عدم الاستقرار هذا في
كل مفاصل حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يضاف اليها عوامل مستجدة
تشعرهم بأن سقف الامان النسبي الذي كان سائدًا، قد انهار كليًا، وأضيف اليه عوامل أخرى
تبرز في ما يلي:
-
يعيش اللبناني عدم الأمان الصحي في ظل عجز الضمان
الاجتماعي، وعجز الدولة عن تأمين تغطية صحية شاملة لجميع اللبنانيين المقيمين،
وبالرغم من وعد الوزير بمشروع كهذا، إلا أن خلو الموازنة العامة من اي أشارة لا من
قريب ولا من بعيد لمشروع التغطية الصحية، ولا مخصصات للإنفاق على مشروع كهذا، أو
تعديلات جذرية في النظام الضريبي لتمويله، يشير الى أن هذا المشروع لا يزال في طور
الدعاية الاعلامية لا أكثر ولا اقل. علمًا أن ادعاء الحكومة عدم قدرتها على تمويل
التغطية الصحية للمواطنين اللبنانين، يدحضه قيامها بتغطية النفقات الاستشفائية
الكاملة لمقاتلي "الجيش السوري الحر" وعائلاتهم، والنازحين السوريين ما
جعل المسؤولين يشتكون أن الأمر تحوّل الى سياحة استشفائية يقوم بها هؤلاء الى لبنان،
ما يكبد الدولة اللبنانية أموال طائلة.
-
عدم الأمان السياسي، ففي ظل تشكيل حكومة غير متجانسة،
يحكمها بالشكل قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر، يجد اللبناني أن تيار المستقبل
وحلفاؤه يتحكمون بمفاصل الدولة اللبنانية في جميع الاطر السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والأمنية. زد على ذلك، الحديث اليومي عن اسقاط الحكومة اللبنانية،
وتبدل خطابات المسؤولين عن حكم البلاد، فكيف لدولة يتحكم في استقرارها، ويكون بيضة
قبانها، زعيم مثل وليد جنبلاط المتقلب أن تعيش استقرارًا؟ كيف يمكن للمواطن أن يثق
أن سفينة الدولة ستبحر الى بر الأمان في حين أن قادتها مشغولون بهواجسهم ومصالحهم
المالية والانتخابية والمذهبية الضيقة؟
-
عدم الأمان الشخصي، ويتجلى في أمرين بالغي الخطورة:
أولاً:
قيام الحكومة اللبنانية بالموافقة على تسليم الداتا كاملة الى الأجهزة الأمنية –
ومنها ما هو مشكوك بصدقيته وشرعيته- يكشف أمن جميع المواطنين وسرية مراسلاتهم
الشحصية والمهنية، والتحويلات المالية اللبنانية التي تقام عبر الانترنت والهاتف.
وما يثير القلق أكثر، ما تم كشفه
من قبل شركة "كاسـبرسكي لاب" المتخصصة في الأمن المعلوماتي لتعلن اكتشاف
فيروس جديد بالغ التعقيد، هدفه التجسس على المعاملات المالية في منطقة الشرق الأوسط،
وبشكل أساسي المصارف اللبنانية.
ووفقاً لما أفادت به الشركة، فإن
وظائف هذا الفيروس سياسية بالدرجة الاولى، وهو قادر على مهاجمة البنية التحتية الحيوية،
وتمّ تطويره في المختبر ذاته الذي طُوّر فيه "ستاكسنت"، كما أنه مرتبط باثنين
من أدوات التجسس الأخرى «فلايم» (الشعلة) و«دوكو» اللذين يأتيان من المصدر ذاته،
اي الولايات المتحدة الأميركية.
وهنا يكمن التساؤل المشروع: كيف
يمكن لدولة مسؤولة عن أمن مواطنيها وحريتهم وسرية اتصالاتهم أن تسلم الداتا الخاصة
بجميع المواطنين اللبنانيين واتصالاتهم وتعاملاتهم المالية الى أجهزة أمنية معروفة
بارتباطاتها الخارجية وخاصة مع الدول التي تطور الفيروسات للتجسس عليهم؟
ثانيًا:
عدم الأمان الشخصي من خلال ما حصل مؤخرًا في قضية توقيف الوزير ميشال سماحة. وبغض
النظر عن صحة الاتهامات التي يُتهم بها سماحة،
وثبوت ضلوعه فيها أو عدمه - وإن صحت الاتهامات فهي مدانة وتتطلب معاقبته على
الجرم- لكن القضية ومسارها تثير هواجس عدة لدى اللبنانيين تتجلى في ما يلي:
-
طريقة التوقيف واقتحام المنزل باسلوب أل كابوني، تؤشر
الى عقلية ميليشوية لا تحترم القانون لدى فرع المعلومات. فمهما يكن الجرم المقترف،
كان يفترض بالجهاز الأمني اعتماد الاليات القانونية المرعية الإجراء في طريقة
توقيف المطلوبين لا أن يقتحموا سريره الزوجي بهذه الطريقة المشينة.
-
التسريبات التي حصلت، والتي شوّهت سمعة الرجل حتى قبل
التأكد من صحة الاتهامات المنسوبة اليه، وفي ذلك تخطي لقانون العقوبات، ولمبدأ
قرينة البراءة التي تكفلها جميع القوانين المحلية والدولية وقوانين حقوق الانسان.
-
وجود صيف وشتاء تحت سقف القانون اللبناني، فشادي المولوي
المطلوب بمذكرات توقيف محلية وعالمية والموضوع على لائحة الارهاب العالمية، يعامل
كبطل قومي وتجند له الحكومة امكانياتها ووزرائها وسياراتهم لنقله الى مكان آمن يعاود
بعده ممارسه أعماله الاجرامية. أما باخرة لطف الله 2، المليئة بشتى أنواع
المتفجرات، والمسلحين المدججين بالسلاح في عكار،
لم "ترعب وتخيف" رئيس الجمهورية اللبنانية، بينما النبأ الذي
ابلغه به ريفي ووسام الحسن حول ميشال سماحة، اثار الرعب والخوف في قلب قائد الجيش
السابق، الذي بدا كأنه لم يسمع بمتفجرات من قبل.
-
ما تمّ تسريبه عن قيام فرع المعلومات بتدبير مكيدة
لسماحة أوقعته في المحظور، يثير القلق حول المهمة المنوطة بهذا الفرع، فهل وظيفة
الأجهزة الأمنية اللبنانية توريط بعض المواطنين بجرائم من حلال تدبير مكائد لهم،
أو مهمته كشف ما يتورط به هؤلاء من أعمال اجرامية؟
بالنتيجة، يعيش اللبناني اليوم
أكثر ايامه قتامة وعدم يقين وعدم استقرار، و لم يكن ينقص هذا اللبناني الذي يعيش
في دولة فاشلة اساسًا تحكمها مزارع طائفية ويتحكم فيها زعماء الطوائف وأمراء
ميليشيات الحرب الاهلية الذين استبدلوا بزات القتال ببدلات رسمية، وانتقلوا من
المتاريس الى كراسي الحكم، الا الاحداث الدائرة في سوريا لـ"يفرفك"
هؤلاء ايديهم آملين بانهيار النظام السوري أو تقسيم سوريا، ما يتيح لهم الاستئثار
بحكم لبنان، أو تقسيمه وهو حلم لطالما راود بعضهم منذ زمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق