تتعاقب فصول الأزمات
اللبنانية المتنقلة بين صيدا وبيروت وعكار، ومن مجلس الوزراء إلى المجلس النيابي إلى
الساحات الداخلية، ومن أوضاع مزرية اقتصادية إلى اجتماعية فأمنية وسياسية.. الوطن يئن
لأن معظم الطبقة السياسية اللبنانية تعيش على وقع المشهد المتفجر في المنطقة، فمنها
مَن يترقب سقوط النظام السوري لتتبدل موازين القوى ويحكم لبنان بمفرده، ويستأثر بالحكم
أو ليقيم الإمارة، ومنهم مَن ينتظر أن يحسم الجيش السوري معركته الداخلية مع الإرهاب
لكي يخفّ فجور بعض الأطراف الداخليين اللبنانيين، ويستطيع الانطلاق نحو بناء الدولة.
وهكذا، وعلى وقع
المشهد السوري، تقام مجالس العزاء أو تُنصب خيم الاحتفالات، فمع اغتيال القادة الأمنيين
السوريين، علت تهليلات الفرح وطلقات الابتهاج في شوارع طرابلس، موقعة قتلى وجرحى من
المدنيين والجيش اللبناني، لكن، ما همّ، ومن يسأل! فالموت بالابتهاج نعمة يختلف عن
الموت بوسائل أخرى، ولـ"الشباب" أعذارهم، وبحسب وزير الداخلية "فشوا
خلقهم الشباب".. وكأن الموت والاستقرار وحياة المواطنين أصبحت فشة خلق معذورة،
و"حارة كل مين إيدو إلو" اللبنانية لا يراها الوزير من نافذته مشهداً يومياً
مقرفاً.
وهكذا، من اعتصام
الأسير في صيدا، إلى حركة "عمال غب الطلب" الذين يطلَق عليهم اسم المياومين،
إلى حركة خالد الضاهر والتكفيريين في عكار، نجد سلسلة مترابطة من الحلقات المتشابهة
قد يبدو أبرزها ما يلي:
- تهدف الحركات الثلاث إلى تقويض سلطة الدولة
وإظهارها عاجزة عن حماية مواطنيها وحماية المرافق العامة، وهكذا يسيطر الأسير على الطريق
العام، ويعتدي على المواطنين في وضح النهار، ويقوم بتكسير السيارات على مرأى من قوى
الأمن، والدولة تتفرج، وبنفس الطريقة يعتدي المياومون على حياة اللبنانيين وأرزاقهم،
ويقطعون عنهم أهم مرفق حيوي حياتي، ويرشقون المعتصمين بالحجارة ويهددون الموظفين، وكله
بغض نظر أو باشتراك ومؤازرة من القوى الأمنية! أما في عكار، فحدّث ولا حرج، يقوم المدججون
بالسلاح بقطع الطرقات وتهديد المارة وتكسير سياراتهم، وترهيب المواطنين الآمنين في
منازلهم، في تحدٍّ واضح للدولة، والجيش والقوى الأمنية.
- يتستر كل من هؤلاء بالطابع الديني، فالأسير
يرفع شعاراً مذهبياً للمطالبة بنزع سلاح المقاومة، والمياومون يرفعون شعاراً مذهبياً
آخر لتبرير "تشبيحهم" على المرفق العام والأموال المجباة من المواطنين، أما
خالد الضاهر والمجموعات التكفيرية الشمالية فشعارهم المذهبي مزدوج ضد المقاومة وضد
النظام السوري "العلوي"، وكل شيء مستباح ومسموح في سبيل جعل لبنان
"ساحة نصرة وجهاد" للإرهابيين القادمين من كل أنحاء العالم للقتال بدماء
السوريين.
- أما في الأهداف المحققة، فنرى أن الحركات
الثلاث تقوم بإظهار عجز الدولة، ومحاولة تقويضها، خدمة لمشاريع خارجية مشبوهة، قد تظهر
لنا في التساؤلات التالية:
أ- مَن تخدم حركة
الأسير المطالب بنزع سلاح حزب الله، خصوصاً إذا ما عطفناها على مطالبات إخوانه بإضعاف
الجيش اللبناني، في ظل التهديدات "الإسرائيلية" المستمرة للبنان، وما هو
ترابطها مع كشف أمن اللبنانيين وأعمالهم وخصوصياتهم، من خلال تسليم داتا الاتصالات؟
ب- لماذا لم تقم
الحكومة اللبنانية بإرسال الجيش إلى الشمال مبكراً حين وردت التقارير عن انتشار القاعدة
واستباحة المسلحين السوريين للشمال اللبناني؟ ولماذا انتظرت ضوءاً أخضر خارجياً للقيام
بذلك؟
ج- ما صحة التقارير
التي تتحدث أن الأميركيين كانوا يريدون إقامة مناطق عازلة في لبنان، لكن بعض
"المخلصين" نصحوهم بأن ذلك قد يؤدي إلى عدم استقرار لبنان وانفلات الوضع،
وإن موازين القوى الداخلية لا تسمح بإقامة مناطق كهذه، وقد يؤدي إلى نتائج عكسية تضر
بالمصالح الأميركية؟
د- ما صحة التقارير
التي تتحدث عن أن عرقلة مشاريع تكتل التغيير والإصلاح مرده إلى تقاطع مصالح بعض مكونات
الحكومة التي اعتادت على قبض "ثمن" ما لتمرير المشاريع؟
ه- التساؤل الأهم
والأكثر خطورة: هل نستطيع أن ننأى بموضوع النفط عن كل ما يحصل في لبنان اليوم؟ ألا
يحق لنا أن نسأل عن الطمع والجشع اللذين يستحوذان على الأميركيين ووكلائهم في لبنان،
خصوصاً عندما نقرأ التقرير المنشور على موقع هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية، والذي
قدر أن حجم احتياطيات البترول منطقة "المخروط النيلي" الواقعة في منتصف المياه
البحرية المصرية بحوالي 1763 مليون برميل من النفط، ومتوسط يقدَّر بـ223 تريليون قدم
مكعب من الغاز، فيما قُدِّر احتياطي الغاز في السواحل التي يطل عليها لبنان و"إسرائيل"
بما لا يقل عن 120 تريليون قدم مكعب من الغاز؟
في خضم كل هذه التساؤلات،
لا يسعنا إلا أن نقلق على مستقبل الوطن، ومستقبل الأجيال القادمة بحقها في دولة قوية،
في ظل وصول أمراء الميليشيات ورجال الأعمال والمال إلى السلطة والاستئثار بها.. اليوم
نرى أن الحنين إلى زمن الميليشيات يعود إلى الواجهة، فيعود الأمراء إلى أسلحتهم ومتاريسهم
وقطع الطرق وترهيب المواطنين، ورجال الأعمال يجوبون العالم، فيعقدون الصفقات ويبيعون
ويشترون ويعدون الدول العظمى بصفقات مربحة على حساب الوطن والمواطنين.
ويبقى على المواطن
اللبناني الوعي وانتظار نتائج المعركة العالمية الدائرة في سورية، فبعد انقشاع غبار
المعارك، وبعد انتصار سورية على المؤامرة والقضاء على البؤر الإرهابية ــ كما هو متوقع
ــ سيعود المشهد اللبناني إلى نيسان 2010؛ حين أقامت السفارة السورية احتفالاً تدافع
فيه ثوار "شلوح الأرز" لأخذ الصور التذكارية مع السفير السوري، وتمنى كثيرون
منهم لو وُجد تمثال للرئيس السوري للتبارك..
حينها، نقترح على الأخوة السوريين إقامة الاحتفال في ساحة الشهداء لتتسع للجميع، ولئلا
يدوس "ثوار الأرز" على أقدام أخصامهم السابقين خلال تدافعهم للتهنئة وإعلان
الولاء، وعليهم أن لا يقلقوا بخصوص التمويل، فرئيس الحكومة المبدع قد يحوّل أموال المحكمة
الدولية لشراء المفرقعات ابتهاجاً.
١٠٠/١٠٠ يا د. ليلى. مقتل رائع من إنسانة وطنية من الدرجة الاولى... الله يحميك..
ردحذف