نشر يومالخميس 28 حزيران 2012
إن الزائر إلى العاصمة الروسية موسكو، والعاصمة الثانية سان بيترسبورغ في هذه الأيام، والباحث عن أكثر من سياحة ثقافية وحضارية تاريخية، لا شكّ يشعر أن الصراع في الشرق الأوسط والتحضيرات الروسية لتبوء مركز جديد على الساحة الدولية، تأخذ حيزاً هاماً من الاهتمام الروسي الداخلي، والنقاش إن على صعيد النخب أو على صعيد الاهتمام الإعلامي.
يستعيد الروس في هذه الفترة بالذات، أحلام العودة إلى مجد دولتهم السابق، متسلحين بتاريخ من المجد الامبراطوري، ومدعومين بثقة كبيرة بقيصر روسيا الجديد فلاديمير بوتين، فيؤكدون أن روسيا اليوم على عهده هي أقوى مما كان عليه الاتحاد السوفياتي السابق خلال فترات ضعفه، إذ أعيد الاعتبار للدولة، وتمّ البطش بالمافيا، وتعزيز وضع الموظفين والمحاربين القدامى وغيرهم من الفئات الشعبية الفقيرة والمتوسطة التي عانت الأمرّين بعد سقوط الاتحاد.
ويبدو للمطلع على توجهات الرأي العام الروسي من داخل العاصمتين، أن السياسة الخارجية لبلادهم في الشرق الأوسط، تتلاءم كلياً مع تطلعات الشعب الروسي وتوجهاته، في الإصرار على عدم السماح للغرب بإسقاط سورية، وتبرز مؤشرات عدّة تؤكد هذه التوجهات، لعل أبرزها ما يلي:
- الحنين إلى الجذور الدينية في الشرق الأوسط، أو ما يطلق عليه الروس اسم "الأم الدينية" لروسيا، مشيرين إلى تضمن العلم الروسي لصورة "القديس جاورجيوس"، فروسيا لم تعرف المسيحية إلا بعد التبشير الآتي من الشرق الأوسط، ومن سورية بالتحديد، ولعل الدولة الخارجة من إلحاد وتغييب للمقدس في الإطارين العام والخاص، تعيش ردة حقيقية إلى الجذور، وتمسكاً حقيقياً بالاعتبارات الدينية في سياستها الخارجية والداخلية.
- يشير البعض إلى أن نجاح بوتين في حكم روسيا، وإعادتها إلى الساحة الدولية، مرده في الداخل إلى "ثلاثية حكم" تمسك بقبضة حديدية على مفاصل الحياة الروسية الاجتماعية والسياسية، وهي الجيش والمخابرات والكنيسة، ومن هنا، يمكن أن نفهم الخط الأحمر الذي رسمه الروس، بالنسبة لتهجير الأقليات من الشرق، ويعيدنا هذا التنافس الروسي الغربي المتخذ طابعاً دينياً بالذاكرة إلى عهود السلطنة العثمانية الأخيرة، ودعم الدول الكبرى للطوائف الذي أعطاها جواز مرور إلى الساحة الشرق أوسطية، مع فارق جوهري أن الإلغاء الكامل لوجود بعض الطوائف والأقليات لم يكن على أجندة بعض الدول الكبرى كما يحصل اليوم، حيث يبدو وبشكل أكيد أن الغرب يسير بخطة منهجية لتهجير المسيحيين من الشرق، وهو ما يؤكد أن الروس لن يسمحوا به.
واللافت أنه بالرغم من سيطرة اللوبي اليهودي في روسيا على الجزء الأكبر من الإعلام الروسي، لكن التوجّه الإعلامي المحلي، يميل بشكل عام لمصلحة بوتين وخياراته الاستراتيجية الجديدة، ونرى البرامج الحوارية، التي تعتمد آليات التفاعل مع الجمهور، تشهد تفاوتاً هائلاً في الميزان التصويتي لصالح بوتين وسياسته الشرق أوسطية، ويتحدث الروس عن "تشويه إعلامي" وبروباغندا غربية تتعرض له روسيا وسورية معاً، كما يبدو لافتاً إحجام الإعلام عن الانتقاد الشديد للسياسة الروسية في الشرق الأوسط وفي الموضوع السوري بالتحديد، باعتبار أن القضية في سورية باتت "قضية أمن قومي روسي" بالدرجة الأولى.
- يؤكد الروس ثبات التحالف الاستراتيجي والعسكري مع سورية، وكان الروس قد أرسلوا رسائل شديدة اللهجة إلى الناتو وتركيا، بأن فكرة السيطرة الجوية الأطلسية على أجواء المتوسط لن تمر، كما استحالة فرض منطقة حظر جوي فوق سورية على غرار ما طبقه الغرب فوق العراق في العام 1991.
وفي هذا الإطار، تتعدد الرسائل الروسية، فمنها المعلن ومنها المخفي في كواليس سياسات الدول الكبرى ومؤتمراتها وقممها ومباحثاتها، فمن الصاروخ العابر للقارات، إلى استخدام السوريين صاروخاً روسياً لإسقاط الطائرة التركية المعتدية على سيادة الأجواء السورية، والذي أتى بضوء أخضر روسي أكيد، متبوعاً برفض روسي واضح للتراجع عن تزويد سورية بالسلاح، بالإضافة إلى الخبراء الروس الموجودين على الأراضي الروسية.. كلها تؤكد ما كان بوتين قد أعلنه مراراً "أن عهد تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط قد انتهى"، وأن "الروس مستعدون لمواجهة ما يقوم به الناتو من تهديد للأمن القومي الروسي سواء في الشرق الأوسط أم في أوروبا.
ولعل الرسالة الروسية الأقوى في هذا المضمار، هو رفض بوتين المطلق لبناء الدرع الصاروخي في أوروبا، معتبراً أن روسيا مستعدة لتطوير نظام مضاد مهما بلغت كلفته، ما يوحي بتهديد روسي بالاستعداد لسباق تسلح جديد إن اقتضت مصالح روسيا وأمنها القومي ذلك، ولن يثنيها عن ذلك كلفة مادية يتكل الغرب على عدم قدرة روسيا على الاضطلاع بها.
- من الناحية الاقتصادية، يشير الروس إلى معركة الأنابيب على الساحل السوري، التي تأتي من ضمن حرب اقتصادية يمارسها الغرب على روسيا، والتي يبدو من أحد معالمها، تخفيض سعر النفط بالإضافة إلى الضغط المالي والاقتصادي على الروبل، وضخ الأموال للمتظاهرين بالعملات الصعبة.. وهنا، يشير الروس إلى أنهم والإيرانيين لن يسمحوا لقطر بالسير بمشروعها أو حلمها الإمبراطوري بالسيطرة على النفوذ النفطي في الشرق الأوسط، وفيه سيناريوهات قطرية تتحدث عن تقسيم السعودية وسيطرة قطر على الساحل السوري وعلى شبكات توزيع النفط في الشرق الأوسط والخليج.
في المحصلة، يعطي الحديث مع النخب الروسية انطباعاً أكيداً، أن السياسة الروسية في الشرق الأوسط غير قابلة للتراجع – أقلّه في المدى المنظور والمتوسط - ويتحدث الروس عن إرث من الغدر العربي بهم، فهم لن ينسوا ما فعله عرب الخليج بهم في القوقاز، ولن يغضوا النظر عن التقارير التي تفيد عن تمويل وتدريب عربي خليجي للانتحاريين الذين فجرّوا أنفسهم في روسيا، مؤكدين أن المعركة الحاصلة على أرض سورية هي قضية أمن قومي روسي، وأن الاعتبارت الاستراتيجية تطغى على كل ما عداها من مصالح مشروعة أو غير مشروعة على الساحة الدولية.
يستعيد الروس في هذه الفترة بالذات، أحلام العودة إلى مجد دولتهم السابق، متسلحين بتاريخ من المجد الامبراطوري، ومدعومين بثقة كبيرة بقيصر روسيا الجديد فلاديمير بوتين، فيؤكدون أن روسيا اليوم على عهده هي أقوى مما كان عليه الاتحاد السوفياتي السابق خلال فترات ضعفه، إذ أعيد الاعتبار للدولة، وتمّ البطش بالمافيا، وتعزيز وضع الموظفين والمحاربين القدامى وغيرهم من الفئات الشعبية الفقيرة والمتوسطة التي عانت الأمرّين بعد سقوط الاتحاد.
ويبدو للمطلع على توجهات الرأي العام الروسي من داخل العاصمتين، أن السياسة الخارجية لبلادهم في الشرق الأوسط، تتلاءم كلياً مع تطلعات الشعب الروسي وتوجهاته، في الإصرار على عدم السماح للغرب بإسقاط سورية، وتبرز مؤشرات عدّة تؤكد هذه التوجهات، لعل أبرزها ما يلي:
- الحنين إلى الجذور الدينية في الشرق الأوسط، أو ما يطلق عليه الروس اسم "الأم الدينية" لروسيا، مشيرين إلى تضمن العلم الروسي لصورة "القديس جاورجيوس"، فروسيا لم تعرف المسيحية إلا بعد التبشير الآتي من الشرق الأوسط، ومن سورية بالتحديد، ولعل الدولة الخارجة من إلحاد وتغييب للمقدس في الإطارين العام والخاص، تعيش ردة حقيقية إلى الجذور، وتمسكاً حقيقياً بالاعتبارات الدينية في سياستها الخارجية والداخلية.
- يشير البعض إلى أن نجاح بوتين في حكم روسيا، وإعادتها إلى الساحة الدولية، مرده في الداخل إلى "ثلاثية حكم" تمسك بقبضة حديدية على مفاصل الحياة الروسية الاجتماعية والسياسية، وهي الجيش والمخابرات والكنيسة، ومن هنا، يمكن أن نفهم الخط الأحمر الذي رسمه الروس، بالنسبة لتهجير الأقليات من الشرق، ويعيدنا هذا التنافس الروسي الغربي المتخذ طابعاً دينياً بالذاكرة إلى عهود السلطنة العثمانية الأخيرة، ودعم الدول الكبرى للطوائف الذي أعطاها جواز مرور إلى الساحة الشرق أوسطية، مع فارق جوهري أن الإلغاء الكامل لوجود بعض الطوائف والأقليات لم يكن على أجندة بعض الدول الكبرى كما يحصل اليوم، حيث يبدو وبشكل أكيد أن الغرب يسير بخطة منهجية لتهجير المسيحيين من الشرق، وهو ما يؤكد أن الروس لن يسمحوا به.
واللافت أنه بالرغم من سيطرة اللوبي اليهودي في روسيا على الجزء الأكبر من الإعلام الروسي، لكن التوجّه الإعلامي المحلي، يميل بشكل عام لمصلحة بوتين وخياراته الاستراتيجية الجديدة، ونرى البرامج الحوارية، التي تعتمد آليات التفاعل مع الجمهور، تشهد تفاوتاً هائلاً في الميزان التصويتي لصالح بوتين وسياسته الشرق أوسطية، ويتحدث الروس عن "تشويه إعلامي" وبروباغندا غربية تتعرض له روسيا وسورية معاً، كما يبدو لافتاً إحجام الإعلام عن الانتقاد الشديد للسياسة الروسية في الشرق الأوسط وفي الموضوع السوري بالتحديد، باعتبار أن القضية في سورية باتت "قضية أمن قومي روسي" بالدرجة الأولى.
- يؤكد الروس ثبات التحالف الاستراتيجي والعسكري مع سورية، وكان الروس قد أرسلوا رسائل شديدة اللهجة إلى الناتو وتركيا، بأن فكرة السيطرة الجوية الأطلسية على أجواء المتوسط لن تمر، كما استحالة فرض منطقة حظر جوي فوق سورية على غرار ما طبقه الغرب فوق العراق في العام 1991.
وفي هذا الإطار، تتعدد الرسائل الروسية، فمنها المعلن ومنها المخفي في كواليس سياسات الدول الكبرى ومؤتمراتها وقممها ومباحثاتها، فمن الصاروخ العابر للقارات، إلى استخدام السوريين صاروخاً روسياً لإسقاط الطائرة التركية المعتدية على سيادة الأجواء السورية، والذي أتى بضوء أخضر روسي أكيد، متبوعاً برفض روسي واضح للتراجع عن تزويد سورية بالسلاح، بالإضافة إلى الخبراء الروس الموجودين على الأراضي الروسية.. كلها تؤكد ما كان بوتين قد أعلنه مراراً "أن عهد تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط قد انتهى"، وأن "الروس مستعدون لمواجهة ما يقوم به الناتو من تهديد للأمن القومي الروسي سواء في الشرق الأوسط أم في أوروبا.
ولعل الرسالة الروسية الأقوى في هذا المضمار، هو رفض بوتين المطلق لبناء الدرع الصاروخي في أوروبا، معتبراً أن روسيا مستعدة لتطوير نظام مضاد مهما بلغت كلفته، ما يوحي بتهديد روسي بالاستعداد لسباق تسلح جديد إن اقتضت مصالح روسيا وأمنها القومي ذلك، ولن يثنيها عن ذلك كلفة مادية يتكل الغرب على عدم قدرة روسيا على الاضطلاع بها.
- من الناحية الاقتصادية، يشير الروس إلى معركة الأنابيب على الساحل السوري، التي تأتي من ضمن حرب اقتصادية يمارسها الغرب على روسيا، والتي يبدو من أحد معالمها، تخفيض سعر النفط بالإضافة إلى الضغط المالي والاقتصادي على الروبل، وضخ الأموال للمتظاهرين بالعملات الصعبة.. وهنا، يشير الروس إلى أنهم والإيرانيين لن يسمحوا لقطر بالسير بمشروعها أو حلمها الإمبراطوري بالسيطرة على النفوذ النفطي في الشرق الأوسط، وفيه سيناريوهات قطرية تتحدث عن تقسيم السعودية وسيطرة قطر على الساحل السوري وعلى شبكات توزيع النفط في الشرق الأوسط والخليج.
في المحصلة، يعطي الحديث مع النخب الروسية انطباعاً أكيداً، أن السياسة الروسية في الشرق الأوسط غير قابلة للتراجع – أقلّه في المدى المنظور والمتوسط - ويتحدث الروس عن إرث من الغدر العربي بهم، فهم لن ينسوا ما فعله عرب الخليج بهم في القوقاز، ولن يغضوا النظر عن التقارير التي تفيد عن تمويل وتدريب عربي خليجي للانتحاريين الذين فجرّوا أنفسهم في روسيا، مؤكدين أن المعركة الحاصلة على أرض سورية هي قضية أمن قومي روسي، وأن الاعتبارت الاستراتيجية تطغى على كل ما عداها من مصالح مشروعة أو غير مشروعة على الساحة الدولية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق