تزايد في الآونة
الأخيرة إصدار بيانات القلق والشجب والإدانة من قبل الدول الغربية والمنظمات
الحكومية وغير الحكومية الدولية لما تقوم به قوات الجيش النظامي السوري من عمليات
عسكرية، حيث يتحدث هؤلاء عن استهداف المدنيين، وعدم قدرة الحكومة السورية على
حماية مواطنيها، واللافت أن أي استنكار لم يصدر عن هذه الجهات لاغتيال العالِم
الدكتور نبيل زغيب وزوجته وأولاده، أو سابقاً لاغتيال ابن المفتي حسون، ولا تنديد
بعد التقارير التي تتحدث عن تصفية مدنيين لمجرد انتمائهم المذهبي أو الديني.
إن الركيزة الأولى والأساسية للقانون الدولي الإنساني، أو ما كان يطلَق عليه "قانون النزاعات المسلحة"، هي مبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين، حيث يحظّر القانون على القوى المتنازعة أن تقتل مدنيين عمداً، أو أن تتسبب بمعاناة إنسانية لا داعي لها لغير أسباب الضرورة العسكرية، وإلا اعتُبر هذا العمل جريمة حرب وانتهاكاً جسيماً وجب معاقبته. انطلاقاً من هنا، فإن اغتيال العالم السوري وعائلته، وغيرها من أعمال قتل المدنيين من أي جهة أتت، تُعدّ جرائم حرب موصوفة يجب المعاقبة عليها، أما القتل الذي يحصل بهدف إزالة مجموعة معينة بكاملها، فهو يعدّ جرائم ضد الإنسانية، ويمكن أن يرقى إلى مصاف الإبادة الجماعية في حال توفرت النيّة المتعمدة لذلك.
وهكذا، يختلف اغتيال القادة الأمنيين السوريين عن الاغتيالات التي تحصل للمثقفين وأساتذة الجامعات السوريين، باعتبار أن هؤلاء مدنيون لا يحق للمتقاتلين استهدافهم، لأنهم محميون بموجب القانون الدولي، وقد يقول قائل، إن اغتيال المهندس الدكتور زغيب جاء كونه أحد خبراء الصواريخ في مركز الأبحاث العلمية التابع لوزارة الدفاع السورية، ويحمل دكتوراه في هندسة المحركات الصاروخية وتوجيهها، مما يبرر حادثة الاغتيال، إلا أن هذا القول مردود لاعتبارات عدة أهمها:
أولاً: الاغتيال الذي حصل أودى بحياة عائلته من المدنيين، أي زوجته وولديه، وهو أمر محظور في القانون الدولي الإنساني، باعتبار أن استهداف المدنيين عمداً هو جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
ويعرّف البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف الصادر عام 1977 المدني، بأنه "يُعتبر مدنياً كل من ليس بمقاتل"، وهو التعريف الذي يستخدمه جيش الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، ويضيف البروتوكول الأول: "أما إذا ثار الشك حول ما إذا كان شخص ما مدنياً أم غير مدني، فإن ذلك الشخص يُعدّ مدنياً".
ثانياً: إن الاعتبارات التي قد تبرر قتل مدنيين، هي فقط مبدأ "الضرورة العسكرية"، وأن تكون تلك الأعمال العسكرية غير المعتادة المبررة "تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري"، وبما أن الجيش السوري لا يستعمل الصواريخ في قتاله ضد التنظيمات المسلحة، فليس هناك من ضرورة عسكرية تبرر قتل المهندس والمدنيين الموجودين معه، إلا إذا كان سبب استهدافه هو انكشاف الخبر الذي يفيد أن الصواريخ السورية قادرة أن تطال "إسرائيل" بكاملها، وأن الصورايخ التي أطلقتها المقاومة في لبنان على حيفا وما بعد حيفا، كانت سوريّة مطوّرة، فهنا يصبح قتله ضرورة "إسرائيلية" وليست سورية.
ثالثاً: إن الادعاء بأن المهندس هو مسؤول صواريخ في وزارة الدفاع السورية، لا يبرر اغتياله أيضاً، فبموجب القانون الدولي الإنساني، يفقد الشخص الحماية التي يقرّها له القانون الدولي إذا شارك "مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية"، أما المشاركة "غير المباشرة" في العمليات العدائية، والتي تساهم في المجهود الحربي العام لإحدى الأطراف، لكنها لا تسبب ضرراً مباشراً، فهي لا تؤدي إلى فقدان الحماية التي يقرّها القانون الدولي.
في جميع الحالات، إن ما يحصل في سورية من استهداف متعمد للمدنيين، واستهداف للعلماء والعقول السورية وغيرها، يعدّ جرائم حرب بموجب القانون الدولي الإنساني، أما ادّعاء بعض المجموعات المسلحة بأن ما تقوم به هو "تنفيذ لأمر الله" و"جهاد ضد الكفار"، فهو لا يبرر أيضاً قتل المدنيين الأبرياء، وهنا نذكّر بما جاء به الإسلام من واجبات شرعية للمجاهدين المسلمين، أهمها، قصر الحرب على رجال العدو المحاربين فقط، حيث يُروى عن النبي محمد أنه قال موصياً زيد بن حارثة لما أرسله إلى مؤتة: "لا تقتلوا وليداً ولا امرأة وكبيراً ولا فانياً ولا منعزلاً بصومعة".
يبدو مفهوماً وواضحاً عدم الاستنكار الأوروبي والأميركي لاغتيال العقول السورية، بل يبدو طبيعياً في ظل محاولة هؤلاء قتل أي فكر عربي يمكن أن يبرز، أو أي علم يمكن أن يهدد الاحتكار "الإسرائيلي" للعلم والمعرفة والتكنولوجيا، وهو ما شهدناه من خلال تصفية العقول العراقية والإيرانية سابقاً، لكن ما لا يمكن فهمه هو سكوت المنظمات غير الحكومية، كمنظمة العفو الدولية، أو لجنة الصليب الأحمر الدولي، وسواها ممن ساهموا مساهمة فعالة في تطور القانون الدولي الإنساني عن عمليات قتل المدنيين المتعمد التي يتم التباهي بها ونشر صورها في الإعلام وعلى صفحات الإنترنت.
واقعياً، في ظل هذا الكمّ الهائل من قتل الأبرياء المثقفين وتدمير العقول الممنهج، وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى تطور معرفي عربي.. فتش عن "إسرائيل".
إن الركيزة الأولى والأساسية للقانون الدولي الإنساني، أو ما كان يطلَق عليه "قانون النزاعات المسلحة"، هي مبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين، حيث يحظّر القانون على القوى المتنازعة أن تقتل مدنيين عمداً، أو أن تتسبب بمعاناة إنسانية لا داعي لها لغير أسباب الضرورة العسكرية، وإلا اعتُبر هذا العمل جريمة حرب وانتهاكاً جسيماً وجب معاقبته. انطلاقاً من هنا، فإن اغتيال العالم السوري وعائلته، وغيرها من أعمال قتل المدنيين من أي جهة أتت، تُعدّ جرائم حرب موصوفة يجب المعاقبة عليها، أما القتل الذي يحصل بهدف إزالة مجموعة معينة بكاملها، فهو يعدّ جرائم ضد الإنسانية، ويمكن أن يرقى إلى مصاف الإبادة الجماعية في حال توفرت النيّة المتعمدة لذلك.
وهكذا، يختلف اغتيال القادة الأمنيين السوريين عن الاغتيالات التي تحصل للمثقفين وأساتذة الجامعات السوريين، باعتبار أن هؤلاء مدنيون لا يحق للمتقاتلين استهدافهم، لأنهم محميون بموجب القانون الدولي، وقد يقول قائل، إن اغتيال المهندس الدكتور زغيب جاء كونه أحد خبراء الصواريخ في مركز الأبحاث العلمية التابع لوزارة الدفاع السورية، ويحمل دكتوراه في هندسة المحركات الصاروخية وتوجيهها، مما يبرر حادثة الاغتيال، إلا أن هذا القول مردود لاعتبارات عدة أهمها:
أولاً: الاغتيال الذي حصل أودى بحياة عائلته من المدنيين، أي زوجته وولديه، وهو أمر محظور في القانون الدولي الإنساني، باعتبار أن استهداف المدنيين عمداً هو جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
ويعرّف البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف الصادر عام 1977 المدني، بأنه "يُعتبر مدنياً كل من ليس بمقاتل"، وهو التعريف الذي يستخدمه جيش الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، ويضيف البروتوكول الأول: "أما إذا ثار الشك حول ما إذا كان شخص ما مدنياً أم غير مدني، فإن ذلك الشخص يُعدّ مدنياً".
ثانياً: إن الاعتبارات التي قد تبرر قتل مدنيين، هي فقط مبدأ "الضرورة العسكرية"، وأن تكون تلك الأعمال العسكرية غير المعتادة المبررة "تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري"، وبما أن الجيش السوري لا يستعمل الصواريخ في قتاله ضد التنظيمات المسلحة، فليس هناك من ضرورة عسكرية تبرر قتل المهندس والمدنيين الموجودين معه، إلا إذا كان سبب استهدافه هو انكشاف الخبر الذي يفيد أن الصواريخ السورية قادرة أن تطال "إسرائيل" بكاملها، وأن الصورايخ التي أطلقتها المقاومة في لبنان على حيفا وما بعد حيفا، كانت سوريّة مطوّرة، فهنا يصبح قتله ضرورة "إسرائيلية" وليست سورية.
ثالثاً: إن الادعاء بأن المهندس هو مسؤول صواريخ في وزارة الدفاع السورية، لا يبرر اغتياله أيضاً، فبموجب القانون الدولي الإنساني، يفقد الشخص الحماية التي يقرّها له القانون الدولي إذا شارك "مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية"، أما المشاركة "غير المباشرة" في العمليات العدائية، والتي تساهم في المجهود الحربي العام لإحدى الأطراف، لكنها لا تسبب ضرراً مباشراً، فهي لا تؤدي إلى فقدان الحماية التي يقرّها القانون الدولي.
في جميع الحالات، إن ما يحصل في سورية من استهداف متعمد للمدنيين، واستهداف للعلماء والعقول السورية وغيرها، يعدّ جرائم حرب بموجب القانون الدولي الإنساني، أما ادّعاء بعض المجموعات المسلحة بأن ما تقوم به هو "تنفيذ لأمر الله" و"جهاد ضد الكفار"، فهو لا يبرر أيضاً قتل المدنيين الأبرياء، وهنا نذكّر بما جاء به الإسلام من واجبات شرعية للمجاهدين المسلمين، أهمها، قصر الحرب على رجال العدو المحاربين فقط، حيث يُروى عن النبي محمد أنه قال موصياً زيد بن حارثة لما أرسله إلى مؤتة: "لا تقتلوا وليداً ولا امرأة وكبيراً ولا فانياً ولا منعزلاً بصومعة".
يبدو مفهوماً وواضحاً عدم الاستنكار الأوروبي والأميركي لاغتيال العقول السورية، بل يبدو طبيعياً في ظل محاولة هؤلاء قتل أي فكر عربي يمكن أن يبرز، أو أي علم يمكن أن يهدد الاحتكار "الإسرائيلي" للعلم والمعرفة والتكنولوجيا، وهو ما شهدناه من خلال تصفية العقول العراقية والإيرانية سابقاً، لكن ما لا يمكن فهمه هو سكوت المنظمات غير الحكومية، كمنظمة العفو الدولية، أو لجنة الصليب الأحمر الدولي، وسواها ممن ساهموا مساهمة فعالة في تطور القانون الدولي الإنساني عن عمليات قتل المدنيين المتعمد التي يتم التباهي بها ونشر صورها في الإعلام وعلى صفحات الإنترنت.
واقعياً، في ظل هذا الكمّ الهائل من قتل الأبرياء المثقفين وتدمير العقول الممنهج، وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى تطور معرفي عربي.. فتش عن "إسرائيل".