تكثر التأويلات والتكنهات بشأن المخطوفين اللبنانيين الذين فُقدوا لدى اجتيازهم الحدود البرية من تركيا إلى سورية، بحجة تأييدهم لحزب الله، أو بذريعة النيّة بمبادلتهم بموقوفين لدى الدولة السورية ممن يُتهمون بأعمال تمس الاستقرار والأمن في الداخل السوري.
وبالرغم من حساسية هذا الملف في المجال الإنساني، والحزن الذي يلف اللبنانيين جميعاً، وحرصهم على معرفة مصير المخطوفين وعودتهم سالمين إلى أهلهم، وبالرغم من كثرة أيدي الطباخين التي تداخلت فيه، إلا أن عملية الخطف ساهمت في نتائج سياسية منها الإيجابي ومنها السلبي بالنسبة إلى الأطراف الفاعلة في الملفين اللبناني والسوري.
أما الخسائر السياسية من عملية الخطف، فقد طالت بالدرجة الأولى تركيا والمعارضة السورية.
- تركيا: بلا شك، تُعتبر من أكثر المتضررين من ملف المخطوفين اللبنانيين، فقد ظهرت تركيا كدولة مارقة إرهابية، تقوم بتجنيد الإرهابيين للقيام بعمليات خطف لصالحها.
لم تعد تركيا تستطيع أن تتنصل من مسؤوليتها الكاملة عن الخطف، بعدما صدر على لسان مسؤوليها تأكيد أن المخطوفين باتوا في عهدتهم، ولو عادوا وأنكروا هذا الأمر، علماً أن المقربين من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يؤكدون أنه تلقى اتصالات رسمية من نظيره التركي تبلغه بموعد إطلاق سراح المختطفين، وأنهم باتوا في عهدة الأتراك! ثم إن حدوث حادثة الخطف بتوقيتها وشكلها ومضمونها وسرعتها القياسية، تشير إلى قدرة استخبارية عالية الدقة، وحرفية لا يمكن لمجرد قطاع طرق - كما يشاع - أن يقوموا بها من دون مساعدة استخبارية من مخابرات دولة ما، هي على الأرجح الدولة التركية.
- المعارضة السورية: أظهرت حادثة خطف اللبنانيين أن المعارضة السورية لا تتوانى عن القيام بأعمال قطاع الطرق للوصول إلى غايات سياسية، كما أظهرت حجم الإرباك الذي تعيشه تلك المعارضة، والدكاكين الموجودة بداخلها، بدليل أن الشخصيات التي تولت الوساطة مع الخاطفين لم تتفق على مطالب موحدة للإفراج عنهم.
أما ما يسمى "الجيش السوري الحر"، فقد أظهر عجزاً فاضحاً، وعدم قدرته على الإمساك بالوضع في المناطق التي يقول إنها تابعة له، فهو لغاية الآن لا يستطيع أن يحدد إن كانت إحدى المجموعات التابعة له قد قامت بعملية الخطف أم لا، ما يعني وجود مجموعات متفلتة من أي رقابة أو مسؤولية تقوم بالعمل وتقويض الاستقرار في الداخل السوري، ولا قدرة لأحد السيطرة عليها وضبطها، ما يجعل من رفض الدول الكبرى تسليح المعارضة السورية أمراً منطقياً، بسبب القلق المشروع من فقدان السيطرة على هذا السلاح، وهو ما أثبتته قضية المخطوفين اللبنانيين.
وانطلاقاً من معادلة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، حققت عملية الخطف بعض المكاسب السياسية لبعض الأطراف اللبنانيين، تتجلى على الشكل الآتي:
- طغت حادثة الخطف في لبنان على ما عداها، وما كان يُشار إليه في لبنان عن قيام "المستقبل" وحلفائه بتقويض الاستقرار، والظهور بمظهر المليشيات الخارجة على القانون، تحوّل إلى خبر ثانوي في نشرات الأخبار والتحليلات الصحافية المختلفة، وهنا يكون الخطف قد أدى خدمة للمتورطين في تقويض الأمن في الشمال، خصوصاً بعد فشلهم في إقامة منطقة لبنانية عازلة ينطلقون منها إلى الداخل السوري لمحاربة النظام.
- أفادت حادثة الخطف تيار المستقبل بأن غطت على فضيحة محاولته تدمير الدولة وهيبتها، وعلى ازدواجيته التي ظهرت جلياً في أحداث الشمال والطريق الجديدة الأخيرة، خصوصاً بعدما أغرق اللبنانيين بمفردات "بناء الدولة" و"لا للسلاح" و"ضرورة حصر السلاح بيد الجيش اللبناني".. وغيرها، فسرعان ما تبين أنه حزب لا يقيم وزناً لهيبة الدولة، ولا يتوانى عن قتال الجيش اللبناني، ويريد طرده من مناطقه، كما تبين أن السلاح المشكو منه في يد فئة، موجود بكثافة في يد الفئة الشاكية.
- أفادت حادثة الخطف رئيس الحكومة اللبناني والوزير الصفدي والقضاء اللبناني، بجعل تغطيتهم لإرهابي مطلوب خبراً ثانوياً على مواقع الإنترنت، فها هي الوثائق تكشف تورط شادي المولوي بالانتماء إلى تنظيم مسلح بهدف النيل من سلطة الدولة وهيبتها، والحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات، خفضت إلى سنتين وتجريده من حقوقه المدنية، ولا مَن يطالب باستقالة الصفدي ولا رئيس الحكومة، ولا وزير الداخلية الذي نفى أن تكون الضغوطات قد أدت إلى الإفراج عن المولوي، ولا من يسأل كيف يصبح الوزير "سائقاً" لإرهابي مدان.
- أبرزت حادثة الخطف وما تلاها أن "الشارع الشيعي" مضبوط ومثله الشارع اللبناني بشكل عام، وأن الشارع الوحيد الذي لم يعد يستطيع قادته ضبطه هو "الشارع السُّني"، فقدرة تيار المستقبل على ضبط الشارع باتت محدودة، وبات الشارع يقود قادته، وهنا قد يكون المستقبل فقد السيطرة على الشارع لأسباب عديدة، منها المادي، ومنها هجرة سعد الحريري، ومنها غزارة الخطاب المذهبي الذي شحن الغرائز وعبأ النفوس لدرجة الانفجار، فكانت ضحايا انفجاره الأولى تيار المستقبل بالذات، ما يثبت أن "طابخ السم آكله".
- الشعب اللبناني هو الرابح، فقد يكون لخطف لبنانيين شيعة هدف أساس، وهو إثارة الفتنة بين اللبنانيين، ولعل المخطِّط أراد من الشارع أن يهب لحرق الدواليب والانتقام من المعارضين السوريين، ما يجعل "المستقبل" وحلفاءه يردون بالمثل.. وهنا، نتساءل: هل مَن طلب من الحريري استخدام طائرته لجلب الحجاج أراد إهداءه مكسباً سياسياً، أم كان يريد حرقه وحرق لبنان بإشعال فتيل فتنة سنية - شيعية، بإيهام الرأي العام اللبناني أنه ضالع بعملية الخطف؟!
في المحصلة، قد يكون اللبنانيون قد فوّتوا مرة أخرى على المخططين اللعب بالنار المذهبية لحرق لبنان، وقد لا تسلم الجرة كل مرة، لذا على اللبنانيين التنبه لما يحاك لهم، وعلى تيار المستقبل - بالتحديد - الوعي بأن النار المذهبية التي تؤجج في النفوس ستحرق أصحابها والوطن قبل أن تمتد لحرق الخصم السياسي.. ونأمل عودة المخطوفين إلى أهلهم بسلام، فقد كفى لبنان مآسٍ، ويكفيه 17000 مخطوف منذ الحرب لم يعرف مصيرهم لغاية الآن.
وبالرغم من حساسية هذا الملف في المجال الإنساني، والحزن الذي يلف اللبنانيين جميعاً، وحرصهم على معرفة مصير المخطوفين وعودتهم سالمين إلى أهلهم، وبالرغم من كثرة أيدي الطباخين التي تداخلت فيه، إلا أن عملية الخطف ساهمت في نتائج سياسية منها الإيجابي ومنها السلبي بالنسبة إلى الأطراف الفاعلة في الملفين اللبناني والسوري.
أما الخسائر السياسية من عملية الخطف، فقد طالت بالدرجة الأولى تركيا والمعارضة السورية.
- تركيا: بلا شك، تُعتبر من أكثر المتضررين من ملف المخطوفين اللبنانيين، فقد ظهرت تركيا كدولة مارقة إرهابية، تقوم بتجنيد الإرهابيين للقيام بعمليات خطف لصالحها.
لم تعد تركيا تستطيع أن تتنصل من مسؤوليتها الكاملة عن الخطف، بعدما صدر على لسان مسؤوليها تأكيد أن المخطوفين باتوا في عهدتهم، ولو عادوا وأنكروا هذا الأمر، علماً أن المقربين من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يؤكدون أنه تلقى اتصالات رسمية من نظيره التركي تبلغه بموعد إطلاق سراح المختطفين، وأنهم باتوا في عهدة الأتراك! ثم إن حدوث حادثة الخطف بتوقيتها وشكلها ومضمونها وسرعتها القياسية، تشير إلى قدرة استخبارية عالية الدقة، وحرفية لا يمكن لمجرد قطاع طرق - كما يشاع - أن يقوموا بها من دون مساعدة استخبارية من مخابرات دولة ما، هي على الأرجح الدولة التركية.
- المعارضة السورية: أظهرت حادثة خطف اللبنانيين أن المعارضة السورية لا تتوانى عن القيام بأعمال قطاع الطرق للوصول إلى غايات سياسية، كما أظهرت حجم الإرباك الذي تعيشه تلك المعارضة، والدكاكين الموجودة بداخلها، بدليل أن الشخصيات التي تولت الوساطة مع الخاطفين لم تتفق على مطالب موحدة للإفراج عنهم.
أما ما يسمى "الجيش السوري الحر"، فقد أظهر عجزاً فاضحاً، وعدم قدرته على الإمساك بالوضع في المناطق التي يقول إنها تابعة له، فهو لغاية الآن لا يستطيع أن يحدد إن كانت إحدى المجموعات التابعة له قد قامت بعملية الخطف أم لا، ما يعني وجود مجموعات متفلتة من أي رقابة أو مسؤولية تقوم بالعمل وتقويض الاستقرار في الداخل السوري، ولا قدرة لأحد السيطرة عليها وضبطها، ما يجعل من رفض الدول الكبرى تسليح المعارضة السورية أمراً منطقياً، بسبب القلق المشروع من فقدان السيطرة على هذا السلاح، وهو ما أثبتته قضية المخطوفين اللبنانيين.
وانطلاقاً من معادلة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، حققت عملية الخطف بعض المكاسب السياسية لبعض الأطراف اللبنانيين، تتجلى على الشكل الآتي:
- طغت حادثة الخطف في لبنان على ما عداها، وما كان يُشار إليه في لبنان عن قيام "المستقبل" وحلفائه بتقويض الاستقرار، والظهور بمظهر المليشيات الخارجة على القانون، تحوّل إلى خبر ثانوي في نشرات الأخبار والتحليلات الصحافية المختلفة، وهنا يكون الخطف قد أدى خدمة للمتورطين في تقويض الأمن في الشمال، خصوصاً بعد فشلهم في إقامة منطقة لبنانية عازلة ينطلقون منها إلى الداخل السوري لمحاربة النظام.
- أفادت حادثة الخطف تيار المستقبل بأن غطت على فضيحة محاولته تدمير الدولة وهيبتها، وعلى ازدواجيته التي ظهرت جلياً في أحداث الشمال والطريق الجديدة الأخيرة، خصوصاً بعدما أغرق اللبنانيين بمفردات "بناء الدولة" و"لا للسلاح" و"ضرورة حصر السلاح بيد الجيش اللبناني".. وغيرها، فسرعان ما تبين أنه حزب لا يقيم وزناً لهيبة الدولة، ولا يتوانى عن قتال الجيش اللبناني، ويريد طرده من مناطقه، كما تبين أن السلاح المشكو منه في يد فئة، موجود بكثافة في يد الفئة الشاكية.
- أفادت حادثة الخطف رئيس الحكومة اللبناني والوزير الصفدي والقضاء اللبناني، بجعل تغطيتهم لإرهابي مطلوب خبراً ثانوياً على مواقع الإنترنت، فها هي الوثائق تكشف تورط شادي المولوي بالانتماء إلى تنظيم مسلح بهدف النيل من سلطة الدولة وهيبتها، والحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات، خفضت إلى سنتين وتجريده من حقوقه المدنية، ولا مَن يطالب باستقالة الصفدي ولا رئيس الحكومة، ولا وزير الداخلية الذي نفى أن تكون الضغوطات قد أدت إلى الإفراج عن المولوي، ولا من يسأل كيف يصبح الوزير "سائقاً" لإرهابي مدان.
- أبرزت حادثة الخطف وما تلاها أن "الشارع الشيعي" مضبوط ومثله الشارع اللبناني بشكل عام، وأن الشارع الوحيد الذي لم يعد يستطيع قادته ضبطه هو "الشارع السُّني"، فقدرة تيار المستقبل على ضبط الشارع باتت محدودة، وبات الشارع يقود قادته، وهنا قد يكون المستقبل فقد السيطرة على الشارع لأسباب عديدة، منها المادي، ومنها هجرة سعد الحريري، ومنها غزارة الخطاب المذهبي الذي شحن الغرائز وعبأ النفوس لدرجة الانفجار، فكانت ضحايا انفجاره الأولى تيار المستقبل بالذات، ما يثبت أن "طابخ السم آكله".
- الشعب اللبناني هو الرابح، فقد يكون لخطف لبنانيين شيعة هدف أساس، وهو إثارة الفتنة بين اللبنانيين، ولعل المخطِّط أراد من الشارع أن يهب لحرق الدواليب والانتقام من المعارضين السوريين، ما يجعل "المستقبل" وحلفاءه يردون بالمثل.. وهنا، نتساءل: هل مَن طلب من الحريري استخدام طائرته لجلب الحجاج أراد إهداءه مكسباً سياسياً، أم كان يريد حرقه وحرق لبنان بإشعال فتيل فتنة سنية - شيعية، بإيهام الرأي العام اللبناني أنه ضالع بعملية الخطف؟!
في المحصلة، قد يكون اللبنانيون قد فوّتوا مرة أخرى على المخططين اللعب بالنار المذهبية لحرق لبنان، وقد لا تسلم الجرة كل مرة، لذا على اللبنانيين التنبه لما يحاك لهم، وعلى تيار المستقبل - بالتحديد - الوعي بأن النار المذهبية التي تؤجج في النفوس ستحرق أصحابها والوطن قبل أن تمتد لحرق الخصم السياسي.. ونأمل عودة المخطوفين إلى أهلهم بسلام، فقد كفى لبنان مآسٍ، ويكفيه 17000 مخطوف منذ الحرب لم يعرف مصيرهم لغاية الآن.