لا شكّ أن صدور القرار 2042 القاضي بإرسال مراقبين إلى سورية قد عكس التوازنات الدولية المستجدة على الساحة الدولية، كما عكس التوازنات المتحققة، بعد الأزمة السورية، في مجلس الأمن الدولي، فقد أظهرت صياغة القرار ونصّه، وإقفال مجلس الأمن قبل ذلك أمام إصدار أي قرار حول القضية السورية، أن موازين القوى الدولية تبدّلت ولم تعد الولايات المتحدة الأميركية تستطيع أن تستعمل مجلس الأمن والأمم المتحدة كواجهة لفرض هيمنة على العالم.
ويكفي أن نقيم مقارنة بين القرار الحالي وهو الأول الصادر عن مجلس الأمن بخصوص القضية السورية، وقرار آخر يخص بلداً عربياً آخر هو السودان وهو القرار رقم 1706، المؤرخ بتاريخ 31 آب 2006 والذي أقرّ إرسال قوات دولية إلى إقليم دارفور للمساعدة على تنفيذ اتفاق "أبوجا" للسلام، وحماية المدنيين النازحين في الإقليم وتأمين إيصال الإغاثة لهم، ولعل الفقرة الأهم في ذلك القرار السوداني كانت الفقرة "12" التي تنص على أن البعثة "ستتصرف بموجب الفصل السابع الذي يعطيها حق استخدام القوة لحماية النفس والمدنيين، ومن أجل منع تعطيل الجماعات المسلحة لاتفاق دارفور للسلام".
وفي الملاحظات التي نرصدها حول القرار الحالي، مقارنة بما سبقه من قرارات، ومنها القرار 1706 نلحظ ما يلي:
أ- صدور القرار 2042 بموجب الفصل السادس وليس السابع، ثم لم يُفوّض المراقبون "العزّل" القيام بأي مهمة غير المراقبة فحسب، ولم يُعطَ لهم أي صلاحية في استخدام القوة سواء لحماية النفس أم المدنيين أم تأمين المساعدات كما فعل القرار حول دارفور، بل أناط بالدولة السورية مسؤولية تأمين كل ذلك، وفي ذلك اعتراف صريح وواضح وإقرار من جميع الموقّعين على القرار، بأن الحكومة السورية مازالت صاحبة السيادة على أرضها، تمارسها باستقلال تام، وأن لها حق ممارسة العنف "الشرعي" على أرضها، الذي يخوّلها حمل السلاح لتأمين أمن إقليمها، ومواطنيها، وأمن المراقبين أنفسهم على أرضها.
ب- اكتفت روسيا والصين عام 2006، بالامتناع عن التصويت على القرار حول دارفور، بالرغم من كل المصالح الدولية لكل منهما مع السودان؛ فالصين تشتري حوالي 65% من نفط السودان، وتعتبر المورّد الأول للأسلحة إلى النظام السوداني، وتستثمر الشركات الصينية في حقول النفط السودانية، بالإضافة إلى التحالف القوي بين السودان وروسيا.. كل تلك المصالح لم تستطع منع إصدار قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع ضد السودان، بينما اليوم لم يستطع كل التحالف الموجود في مجلس الأمن من تمرير قرار يضرّ بمصلحة النظام السوري، أو يحرجه، أو يضغط عليه، وهذا يؤشر إلى تبدّل موازين القوى الدولية بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة المنصرمة، وخصوصاً مع اندلاع الأزمة في سورية.
ب- بالرغم من كل الضغوط الدبلوماسية والسياسية، وبالرغم من التحريض الإعلامي المكثّف الذي يتهم النظام السوري بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، إلا أن كل ذلك لم يمنع صدور قرار متوازن، يتحدث عن قيام المعارضة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أيضاً، في اعتراف صريح في النص بأن ما يواجهه النظام السوري ليس ثورة شعبية سلمية بل "مجموعات مسلحة"، وهذه نقطة تسجل لصالح النظام السوري في القرار الأممي وليس ضده.
ج- يدعو القرار إلى "تسهيل التحول السياسي الذي يقوده السوريون"، وإلى "حوار سياسي شامل بين الحكومة والمعارضة السورية بكل أطيافها"، وهو ما يسفّه كل الدعوات التي أُطلقت من هنا وهناك إلى تسليح المعارضة، وعدم الاعتراف بشرعية الأسد وحكومته، ورفض الحوار إلا بعد تنحي الأسد.. بل ويجعل من كل تلك التصريحات مجرد "كلام إنشائي خطابي" هدفه الادّعاء باستمرارية امتلاك أوراق قوة، وهي في الواقع لا تبدو موجودة.
د- يتحدث القرار عن رغبة المجلس عن عزمه التوصل إلى "وقف مستدام للعنف المسلح بجميع أشكاله من قبل جميع الأطراف"، ويؤكد أن "نيته إنشاء بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في سورية، تتم حصراً مع الحكومة السورية"، وفي ذلك تأكيد إضافي على عدم اعتراف مجلس الأمن والدول الموقّعة على القرار بأي سلطة غير سلطة الحكومة السورية على الأراضي السورية.
ج- أظهرت الأيام التي سبقت إقرار القرار في مجلس الأمن، أن الأميركيين لا يطوّرون بشكل كافٍ أساليبهم الدبلوماسية والدعائية، فمن المثير للسخرية، أن السفير الأميركي في دمشق ريتشارد فورد حذر الحكومة السورية، من أنه لا يمكنها "خداع العالم" حول قرارها سحب القوات والآليات من المدن، ونشر صوراً للأقمار الاصطناعية، تفيد أن الدبابات والمدفعية السورية لاتزال قريبة من مراكز سكانية، وذلك في مشهد يذكّر بما قام به كولن باول من تقديم وثائق مزورة، في مجلس الأمن حول امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، علماً أن باول نفسه قدم أيضاً في شهادته أمام الكونغرس خلال الجلسة التي أقرّ فيها العقوبات على السودان، وثائق تثبت حدوث إبادة في دارفور، بينما لم تستطع بعثات الأمم المتحدة المختلفة إثبات وجود أسلحة دمار شامل في العراق، ولا حصول إبادة جماعية في السودان.
واقعياً، يبدو القرار الأممي الذي يعكس توازنات عالمية جديدة في مصلحة الدولة السورية، ومصلحة المدنيين السوريين، فمن مهمة المراقبين رصد انتهاكات حقوق الإنسان والإعلان عن المسؤولين عنها والتشهير بهم أمام العالم، عسى أن يكون ذلك حافزاً للتقليص من الآلام التي يعانيها الشعب السوري، وبدء مسيرة نحو حوار سياسي يكرّس الدخول في عملية عدالة انتقالية تعيد بناء الروابط بين أبناء الشعب الواحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق