بينما تستمر الحركة الإقليمية والدولية متمحورة حول الوضع في سورية، يزداد الغرب اقتناعاً يوماً بعد يوم بعدم إمكانية إسقاط النظام السوري بالقوة العسكرية، فتتصاعد الحركة الدبلوماسية الدولية، ويستمر الغرب بمحاولاته الضغط على سورية من باب الدول العربية، وفي هذا الإطار، ينعقد مؤتمر "أصدقاء سورية" في تونس في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، في محاولة جديدة لإسقاط النظام السوري أو على الأقل كسب جولة ضده، من خلال دعوة المعارضة وعدم دعوة ممثلي السلطة إليه.ويبدو اختيار المكان في تونس ذا دلالات ورسائل، منها إعطاء الحكم الإخواني دفعاً جديداً من خلال منحه دوراً عربياً فاعلاً، خصوصاً أن تونس ببعدها الجغرافي ووضعها الجيوستراتيجي لا يسبب حرجاً ولا إشكاليات ولا منافسة للخليجيين العرب، الذين استاؤوا من محاولة العراق السابقة احتلال دور عربي إقليمي في المنطقة، من خلال طرح مبادرة وساطة بين السوريين، الأمر الذي أغاظ الجيران الخليجيين، وأقلقهم من دور عراقي محتمل، ما جعلهم يساهمون في تقويض الاستقرار العراقي وإدخاله، بعد الانسحاب الأميركي منه، في أتون نار مذهبية وأزمة سياسية لا تنذر بنهاية قريبة.
لكن ما هي النتائج المتوقعة من مؤتمر تونس بحسب ما تظهره معالم المرحلة الحالية في الأزمة السورية، والتي تبدو كما يلي:
أولاً: بعكس ما كان نبيل العربي قد أشاع، لا يبدو أن الموقفين الصيني والروسي قد تغيرا، أو هما في صدد التبدل فيما خص الحالة السورية، فقد أعلن الروس صراحة عدم تأييدهم لحضور المؤتمر، منطلقين من موقف ثابت لا يتزحزح بأن الحل في سورية يكون بحوار وطني، وإصلاحات شاملة، وقد كشف الروس عن أن مجموعة صغيرة من الدول تعمل على وضع الوثيقة الختامية للمؤتمر دون اطلاع المدعوين الآخرين الذين سيدعونهم بكل بساطة إلى التوقيع عليها، ما يشير إلى أن المدعوين سيكونون شهود زور على وثيقة معدّة سلفاً.
ثانياً: يزداد اقتناع الجميع يوماً بعد يوم باستحالة التدخل العسكري في سورية، وأن أي مواجهة عسكرية أو تدخل عسكري خارجي، من شأنه أن يشعل حرباً في المنطقة لن تبقى محصورة فيها، ومع كل المحاذير السابقة والتي أظهرت حجم الصراع الدولي في سورية، والذي أقام توازن ردع صارم بين الجبهتين المتصارعتين، دخل عنصر جديد إلى الساحة بدخول إيران على خط المواجهة بالإعلان عن عبور سفينتين حربيتين إيرانيتين قناة السويس، ووصولهما إلى ميناء طرطوس السوري.
ثالثاً: تراجع الحديث عن إمكانية تسليح المعارضة في سورية أو ما يسمى الجيش السوري الحر، وهو ما كانت كلينتون تمني النفس به منذ أشهر، كخطة لإدخال سورية في حرب أهلية تؤدي إلى إسقاط النظام، فبعد صمت مريب عن التفجيرات الانتحارية التي حصلت في سورية، وبعدما تحدثت البروباغندا الإعلامية عن أن النظام "ينحر نفسه"، عاد الأميركيون واعترفوا بوجود القاعدة في سورية، وأنها استطاعت أن تخترق المعارضة السورية المنقسمة، وأنه من السابق لأوانه الحديث عن تسليح المعارضة السورية المشتتة والتي لا برنامج واضح لديها.
رابعاً: إقفال أبواب مجلس الأمن أمام أي إطار لتدخل عسكري "إنساني" أو لإصدار قرار بإدانة النظام السوري، واستنفاد الجامعة العربية جميع السبل الممكن اتباعها للضغط على النظام السوري سواء من خلال العقوبات أم الضغط أم التهديدات المستمرة وغيرها.
خامساً: عدم إمكانية اختراق جبهة النظام الداخلية، لا من ناحية السلطة السياسية ولا العسكرية ولا القوة الشعبية المتشكلة حوله، والتي تزداد يوماً بعد يوم، خصوصاً في ظل تخوف جدي من تقسيم سورية إلى دويلات متناحرة، أو إقامة "إمارات" تعيد سورية إلى عصور الجهل والانحطاط، وتهجّر جميع الأقليات ومخالفي الرأي، فيما لو سقط نظام الأسد.
سادساً: ثبات التحالف الإقليمي والدولي الداعم للنظام، بالرغم من كل محاولات الإغراء والضغوطات التي حاول المعسكر الغربي أن يمارسها لفك هذا التحالف، في المقابل يبرز تراجع في مواقف المحور الآخر المعادي للنظام السوري، وتدرج في التنازل عن المواقف العالية النبرة التي طبعت شهور الأزمة الأولى في سورية، منها على سبيل المثال، التراجع في حدة المواقف التركية، وإعلان الرئيس الفرنسي ساركوزي أن "الثورة لا تكون إلا من الداخل وليس من الخارج"، وتأكيد راسموسن باسم الحلف الأطلسي أن الحلف ليس لديه خطط ولن يقوم بأي عمل يدعم فيه جماعات المعارضة السورية، ولن يقدم مساعدة من أي نوع كانت.
إذاً، مع كل المعطيات الميدانية والسياسية الدولية والداخلية، يبدو أن مؤتمر "أصدقاء سورية" في تونس لن يخرج بأي نتائج تعدّل في موازين القوى لا الداخلية ولا الدولية، وسيبقى مجرد أداة من أدوات التهويل والابتزاز، تترافق مع استمرار التحريض الإعلامي والمذهبي لتقويض الاستقرار الاجتماعي السوري، ومحاولات تقويض الاستقرار الأمني بالعمليات الإرهابية، والممارسات التخريبية لمنشآت الدولة كتفجير أنابيب النفط والمقار الحكومية بشكل يوحي بأن "المعارضين" لا يريدون أي شكل من أشكال الدولة فيما لو قيّض لهم ووصلوا إلى الحكم.
من كل ما سبق، يظهر أن المؤتمر الذي يعدّه الغرب تحت عنوان "أصدقاء سورية"، لن يعدو كونه استعراضاً خطابياً كما معظم المؤتمرات العربية الفندقية التي تنفق الأموال الطائلة على "خطابات بلاغية" لا تخرج بنتائج عملية، ولا يبقى منها سوى صورة تذكارية وبياناً إنشائياً، لا يقرأه إلا معدّوه في أكثر الأحيان.
- استاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق