2012/02/29

المحكمة الخاصة بلبنان.. محكمة عكس السير

من ضمن التطور في علم السياسة الحديث، يقوم اللبنانيون بابتداع استراتيجية جديدة عنوانها "النأي بالنفس" في مواضيع "سيادية" أساسية، وهي استراتيجية نخشى أن الجامعات لم تكن تلحظها في تدريس طلاب العلوم السياسية للسياسيات المتبعة من الدول في تقرير مصير بلدانهم، بما تقتضيه متطلبات السيادة، والتي تتضمن إطارين اثنين: داخلي وخارجي.في إطار السيادة الداخلي، تعني السيادة أن لا قوة فوق سلطة الحكومة الفاعلة التي تقرر شؤونها بنفسها وبكل استقلالية وبدون ضغط، من جهات داخلية أو خارجية، ينتهك سيادتها ويفقدها استقلاليتها التامة في إدارة شؤونها الداخلية، أما في الجانب الخارجي فيعني الاستقلال عن كل رقابة ومنع أي تدخل خارجي من أية دولة أخرى أو منظمة دولية، واحتكار تقرير شؤونها في علاقاتها الخارجية بنفسها.
ويبدو أن هذه استراتيجية النأي بالنفس الفذّة، التي ابتدعتها الحكومة اللبنانية، بدأت تتطور لتتضمن تكتيكات وسياسات تندرج في إطارها، ويبرز منها اليوم تطبيق خطة "أخذ العلم"، فقد قرر المسؤولون الاكتفاء بـ"أخذ العلم"، بعزم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على التمديد لعمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والقضاة الملحقين بها مدة سنوات ثلاث، وذلك رداً على الكتاب الذي كان قد أرسله إلى السلطات اللبنانية طالباً "إبداء ملاحظاتها" في هذا الشأن.
وهكذا تمّ تمديد العمل بالاتفاقية التي أنشأت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بدون إبداء ملاحظات، ولو شكلية، على عملها وأدائها، وبدون حتى مجرد "لفت نظر" الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلى أن المحكمة تلك لا تطبق "أعلى معايير العدالة الجنائية الدولية" كما تدّعي، ولو فعل المسؤولون ذلك، لحفظوا ماء وجههم على الأقل، في موضوع محكمة فريدة من نوعها، بدأ التسييس والتعسف في عملها منذ اللحظة الأولى ومنذ حمايتها شهود الزور، واعتقال ضباط أربعة ظلماً، وغيرها من الانتهاكات التي مارستها والتي لا يسعها آلاف الصفحات.
واللافت في موضوع التمديد للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أنها تأخذ منحى مختلفاً عن الاتجاه الذي يسود المحاكم الجنائية الدولية في العالم اليوم، والذي ينحو إلى مزيد من أعطاء السلطات المحلية الصلاحية في النظر في المحاكمات خاصة إذا كان القضاء الوطني قادراً على القيام بتلك المحاكمات وراغباً بالقيام بدوره في هذا الإطار.
إن المطلع على تجارب المحاكم الجنائية الدولية، يعلم أن المجتمع الدولي وبعد التجارب والمشكلات التي رافقت عمل المحاكم الدولية الخاصة والمختلطة، بدأ ينحو لاعتماد آليات جديدة، تتجلى في العودة إلى العدالة الجنائية المحلية، من خلال تأسيس محاكم داخلية خاصة لمحاكمة جرائم الحرب، وهي مؤسسات قضائية محلية تطبق القانون المحلي، بينما تستعين بقضاة دوليين للمساعدة، على أن يتم تحويل الجرائم إليها من المحاكم الدولية الخاصة التي أنشأها مجلس الأمن، وهذه الآليات هي آخر ما توصل إليه تطور العدالة الدولية في الوقت الراهن، لأنها على ما يبدو هي الأقدر على حل مشكلة الشرعية الداخلية التي عانت منها المحاكم الدولية، بالإضافة إلى تخفيف الكلفة الاقتصادية والحد من الاستخدام السياسي الدولي للمحاكم الدولية.
وفي هذا الإطار، نذكر على سبيل المثال، المحكمة المختلطة التي أنشأت في البوسنة والهرسك في آذار من العام 2005، وهي غرف استثنائية ضمن المحاكم المحلية تتألف من قضاة دوليين ومحليين للتحقيق ومقاضاة الأشخاص الذين يشتبه بتورطهم في انتهاكات القانون الدولي الإنساني خلال حرب 1992-1995، وكان الهدف من تلك الغرف الاستثنائية إعطاء السلطات القضائية الوطنية القدرة على إجراء محاكمات جرائم الحرب ضمن استراتيجية مصممة من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة لإغلاق كافة القضايا المرتبطة بها بناء على طلب مجلس الأمن الدولي، علماً أن ما بدأ على شكل محاكم "مختلطة"، وبالرغم من المخاوف التي سادت في بادئ الأمر، من عدم شفافيتها وعدم عدالتها تبين أنها كانت نزيهة وأكثر شفافية وعدالة ومهنية واحترمت معايير العدالة الدولية أكثر بكثير مما فعلت المحاكم الدولية، ما أدى إلى تحوّلها إلى محاكم محلية مئة في المئة.
إذاً، في الوقت الذي تتجه في الدول التي عانت من إرث من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إلى استعادة سيادتها القضائية من المحاكم الدولية، وذلك بعد أن تعافى قضاؤها وبات قادراً لوجستياً وبشرياً على الاضطلاع بمهمته الأساسية، في هذا الوقت بالذات، وفي موقف "تمييعي" كان متوقعاً، يأخذ لبنان علماً بالاستمرار في انتهاك سيادته والحط من كرامة وقدرة قضائه، من خلال التمديد لمحكمة أنشئت – كما تمّ الزعم – لأن القضاء اللبناني "عاجز" عن القيام بمحاكمة من خطط ونفّذ جريمة 14 شباط الإرهابية.
وبغض النظر عن التمديد الذي حصل للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان اليوم، وسواء مُدد لها أم لم يمدد، لا يبدو أن المحكمة تلك قادرة على القيام بمهمتها الأساسية المفترض أن تقوم بها، وهي كشف الحقيقة وإحقاق العدالة في جريمة 14 شباط، أولاً لأن التمديد بهذا الشكل وتمويلها وكأنها مؤسسة منكوبة لا يعني ضمناً الاعتراف بشرعيتها لبنانياً، وثانياً، لأن التعسف أفقدها صدقيتها منذ اللحظات الأولى، فالمجتمع الدولي سيتخلى عن دعمها عاجلاً أم آجلاً، حالما تفقد وظيفتها كأداة ضغط وابتزاز سياسية.
*أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية


2012/02/23

تونس.. مؤتمر أصدقاء ضد سوريا

بينما تستمر الحركة الإقليمية والدولية متمحورة حول الوضع في سورية، يزداد الغرب اقتناعاً يوماً بعد يوم بعدم إمكانية إسقاط النظام السوري بالقوة العسكرية، فتتصاعد الحركة الدبلوماسية الدولية، ويستمر الغرب بمحاولاته الضغط على سورية من باب الدول العربية، وفي هذا الإطار، ينعقد مؤتمر "أصدقاء سورية" في تونس في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، في محاولة جديدة لإسقاط النظام السوري أو على الأقل كسب جولة ضده، من خلال دعوة المعارضة وعدم دعوة ممثلي السلطة إليه.ويبدو اختيار المكان في تونس ذا دلالات ورسائل، منها إعطاء الحكم الإخواني دفعاً جديداً من خلال منحه دوراً عربياً فاعلاً، خصوصاً أن تونس ببعدها الجغرافي ووضعها الجيوستراتيجي لا يسبب حرجاً ولا إشكاليات ولا منافسة للخليجيين العرب، الذين استاؤوا من محاولة العراق السابقة احتلال دور عربي إقليمي في المنطقة، من خلال طرح مبادرة وساطة بين السوريين، الأمر الذي أغاظ الجيران الخليجيين، وأقلقهم من دور عراقي محتمل، ما جعلهم يساهمون في تقويض الاستقرار العراقي وإدخاله، بعد الانسحاب الأميركي منه، في أتون نار مذهبية وأزمة سياسية لا تنذر بنهاية قريبة.
لكن ما هي النتائج المتوقعة من مؤتمر تونس بحسب ما تظهره معالم المرحلة الحالية في الأزمة السورية، والتي تبدو كما يلي:
أولاً: بعكس ما كان نبيل العربي قد أشاع، لا يبدو أن الموقفين الصيني والروسي قد تغيرا، أو هما في صدد التبدل فيما خص الحالة السورية، فقد أعلن الروس صراحة عدم تأييدهم لحضور المؤتمر، منطلقين من موقف ثابت لا يتزحزح بأن الحل في سورية يكون بحوار وطني، وإصلاحات شاملة، وقد كشف الروس عن أن مجموعة صغيرة من الدول تعمل على وضع الوثيقة الختامية للمؤتمر دون اطلاع المدعوين الآخرين الذين سيدعونهم بكل بساطة إلى التوقيع عليها، ما يشير إلى أن المدعوين سيكونون شهود زور على وثيقة معدّة سلفاً.
ثانياً: يزداد اقتناع الجميع يوماً بعد يوم باستحالة التدخل العسكري في سورية، وأن أي مواجهة عسكرية أو تدخل عسكري خارجي، من شأنه أن يشعل حرباً في المنطقة لن تبقى محصورة فيها، ومع كل المحاذير السابقة والتي أظهرت حجم الصراع الدولي في سورية، والذي أقام توازن ردع صارم بين الجبهتين المتصارعتين، دخل عنصر جديد إلى الساحة بدخول إيران على خط المواجهة بالإعلان عن عبور سفينتين حربيتين إيرانيتين قناة السويس، ووصولهما إلى ميناء طرطوس السوري.
ثالثاً: تراجع الحديث عن إمكانية تسليح المعارضة في سورية أو ما يسمى الجيش السوري الحر، وهو ما كانت كلينتون تمني النفس به منذ أشهر، كخطة لإدخال سورية في حرب أهلية تؤدي إلى إسقاط النظام، فبعد صمت مريب عن التفجيرات الانتحارية التي حصلت في سورية، وبعدما تحدثت البروباغندا الإعلامية عن أن النظام "ينحر نفسه"، عاد الأميركيون واعترفوا بوجود القاعدة في سورية، وأنها استطاعت أن تخترق المعارضة السورية المنقسمة، وأنه من السابق لأوانه الحديث عن تسليح المعارضة السورية المشتتة والتي لا برنامج واضح لديها.
رابعاً: إقفال أبواب مجلس الأمن أمام أي إطار لتدخل عسكري "إنساني" أو لإصدار قرار بإدانة النظام السوري، واستنفاد الجامعة العربية جميع السبل الممكن اتباعها للضغط على النظام السوري سواء من خلال العقوبات أم الضغط أم التهديدات المستمرة وغيرها.
خامساً: عدم إمكانية اختراق جبهة النظام الداخلية، لا من ناحية السلطة السياسية ولا العسكرية ولا القوة الشعبية المتشكلة حوله، والتي تزداد يوماً بعد يوم، خصوصاً في ظل تخوف جدي من تقسيم سورية إلى دويلات متناحرة، أو إقامة "إمارات" تعيد سورية إلى عصور الجهل والانحطاط، وتهجّر جميع الأقليات ومخالفي الرأي، فيما لو سقط نظام الأسد.
سادساً: ثبات التحالف الإقليمي والدولي الداعم للنظام، بالرغم من كل محاولات الإغراء والضغوطات التي حاول المعسكر الغربي أن يمارسها لفك هذا التحالف، في المقابل يبرز تراجع في مواقف المحور الآخر المعادي للنظام السوري، وتدرج في التنازل عن المواقف العالية النبرة التي طبعت شهور الأزمة الأولى في سورية، منها على سبيل المثال، التراجع في حدة المواقف التركية، وإعلان الرئيس الفرنسي ساركوزي أن "الثورة لا تكون إلا من الداخل وليس من الخارج"، وتأكيد راسموسن باسم الحلف الأطلسي أن الحلف ليس لديه خطط ولن يقوم بأي عمل يدعم فيه جماعات المعارضة السورية، ولن يقدم مساعدة من أي نوع كانت.
إذاً، مع كل المعطيات الميدانية والسياسية الدولية والداخلية، يبدو أن مؤتمر "أصدقاء سورية" في تونس لن يخرج بأي نتائج تعدّل في موازين القوى لا الداخلية ولا الدولية، وسيبقى مجرد أداة من أدوات التهويل والابتزاز، تترافق مع استمرار التحريض الإعلامي والمذهبي لتقويض الاستقرار الاجتماعي السوري، ومحاولات تقويض الاستقرار الأمني بالعمليات الإرهابية، والممارسات التخريبية لمنشآت الدولة كتفجير أنابيب النفط والمقار الحكومية بشكل يوحي بأن "المعارضين" لا يريدون أي شكل من أشكال الدولة فيما لو قيّض لهم ووصلوا إلى الحكم.
من كل ما سبق، يظهر أن المؤتمر الذي يعدّه الغرب تحت عنوان "أصدقاء سورية"، لن يعدو كونه استعراضاً خطابياً كما معظم المؤتمرات العربية الفندقية التي تنفق الأموال الطائلة على "خطابات بلاغية" لا تخرج بنتائج عملية، ولا يبقى منها سوى صورة تذكارية وبياناً إنشائياً، لا يقرأه إلا معدّوه في أكثر الأحيان.
- استاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

2012/02/20

النبي محمد وحقوق المرأة

محاضرة قدمت في ندوة الهيئات النسائية في حزب الله، بعنوان "النبي محمد: الرحمة المهداة" في 20 شباط 2012
يردّ البعض، بطريقة خاطئة ومجحفة، ظلم المرأة التاريخي الى الاسلام، وحمّلوا النبي محمد – صاحب الدعوة الاسلامية- المسؤولية عن ذلك. فهل صحيح أن النبي يتحمل هذه المسؤولية؟ وهل فعلاً الدين الاسلامي يهمّش المرأة ويجعلها في مستوى أدنى من الرجل؟ أم ان الأمر لا يعدو كونه صورة نمطية مشوهة عن المرأة المسلمة، تراكمت عبر الأجيال؟. وان كانت كذلك، مَن يتحمل المسؤولية عن هذه الصورة المنمطة؟
لكي نعرف ماذا أتى الاسلام للمرأة، وهل رفعها أم حطّ من قدرها، علينا أن نقيس وضعها قبله. فالمقارنة لا تصلح بالمطلق، بل يجب أن تحصل بين أمرين: ما قبل وما بعد. عندها فقط يمكن أن نجيب عما قدمه الاسلام لهذه المرأة بالفعل.

أولاً: وضع المرأة قبل الاسلام

لا يظهر من الدراسات المختلفة، عن عرب ما قبل الاسلام، أنهم اعترفوا بمكانة المرأة، أو حافظوا على كرامتها الانسانية، أو أنها أعطيت حقوقًا طبيعية أو حريات كما أعطي الرجل. كان العدل والحق والامتيازات في زمن الجاهلية لصاحب القوة، ولما كان الرجل بتركيبة جسمه الطبيعية أقوى من المرأة، وهو الأقدر على العيش في بيئة صحراوية قاسية وعادات اجتماعية مبنية على العنف والحروب، فقد منح لنفسه جميع الحقوق ورفع نفسه عنها في الأحكام وحرمها ميراثها وقايضها بديونه، ومتّع نفسه بها.
هذا ناهيك عن الرق ونظام الجواري الذي كان يستعبد المرأة استعبادًا كاملاً، وكان يمحو لها لكرامتها وانسانيتها بشكل تام، الذي استمر نظامًا اجتماعيًا معتمدًا الى أن أتى الاسلام فحرّم الرق والاستعباد بشكل تام.

بالمبدأ، كان الرجل  يملك كل شيء في العائلة والمنزل، فهو الذي يقرر مصير بناته وزوجاته (علمًا أن الرجل كان يحصل على عدد غير محدود من النساء والجواري لخدمته وللمتعة الجنسية).
نبدأ بالطفلة الصغيرة، مَن منا لم يسمع بعادة وأد البنات التي انتشرت لدى بعض القبائل في الجاهلية، والتي استمرت حتى عالج الإسلام أمرها بتحريمها في آيات واضحة وصريحة.
لم يكن مصير المرأة مستقرًا لا في زمن السلم ولا في الحرب، فمَن منا لم يسمع قصصًا عن مصير بنات او زوجات قررها الرجل نتيجة تجارة، أو على مائدة قمار، أو رهن أو مبارزة بالسيف، او لمجرد وعدٍ قدمه الأب بمنح ابنته لرجل آخر. أما في الحرب، فقد كانت النساء غنائم حرب، تؤخذ سبايا كما تؤخذ الغنائم المادية الأخرى. 
وان كانت ماسي المرأة في وجود زوجها، فكيف بها في غيابه. عند وفاة الزوج، تكون المرأة جزءًا من الميراث، يرثها الذكر كما يرث الأمور المادية الاخرى، فيتزوجها بدون مهر، أو يزوّجها ويقبض مهرها. الى ان أتى الاسلام وحرّم زواج الابن من امرأة ابيه .
إذًا، لم يكن للمرأة حقوق قبل الاسلام، بل ان كرامتها الانسانية كانت منتقصة بفعل العادات والتقاليد والأحكام الجائرة التي تنتقص من حقوقها وانسانيتها، فكيف أصبح وضعها بموجب نصوص القرآن والسنّة.

ثانيًا: وضع المرأة في الاسلام

بداية، بدّل النبي محمد الصورة التي كانت للمرأة في المجتمع الجاهلي، فقد أراد النبي أن يعطي المرأة دورًا مغايرًا للدور الذي حددته لها تلك البيئة الجاهلية وهو اشباع رغبات الرجل، فأناط بها دورًا مهمًا وعظيمًا : "الأمومة". ولحثّ أنصاره على تغيير النظرة الى المرأة - الأم، قال أن "رضوان الام هو طريق لرضوان الله".
وقياسًا وتكاملاً ، قلب الاسلام النظرة السائدة الى المرأة، رأسًا على عقب، وأعطاها الكثير من الحقوق الاساسية فساواها مع الرجل وحصّن وضعها  وحاول إعلاء شأنها على أكثر من صعيد، الامر الذي يُعتبر ثورةً حقيقة في ذلك الزمن والمجتمع الذي عاش فيه النبي محمد. وفي ما يلي ابرز ما أعطى الاسلام للمرأة:

1-    المساواة في أصل الخلق والكرامة الانسانية، وفي التكاليف الشرعية



لا شك أن المساواة في الخلق والكرامة الكيانية، وتكريم الله للأنسان أتت واضحة في القرآن للرجل والمرأة على حد سواء. فقد اقرّ الاسلام بوحدة الخلق الالهي، باعتبار أن الله خلق الرجل والمرأة من مادة واحدة وماثلهما في التكوين. ولم تفرق الآيات بين الرجل والمرأة في تكريم الله للانسان بعقله وحريته، ولم تختص أو تميّز الرجل بالتكريم دون المرأة.
تؤكد نصوص القرآن والسنّة على التكامل الفطري بين الرجل والمرأة من أجل القيام بوظيفتهما الوجودية،  فهما يشتركان ويتكاملان في القيام بالمسؤوليات والواجبات التي فرضها الله على المؤمنين والمؤمنات، إن كان من حيث الثواب والعقاب والجزاء على العمل في الدنيا والآخرة، بغض النظر عن الجنس.
ولعل الحديث الذي ينقل عن النبي بقوله: "إنما النساء شقائق الرجال"،  يشير الى أن لا ميزة تفاضلية بين الرجل والمرأة، وأنه ليس هناك من نص موحى به يقول أن الرجل خير من المرأة. 

2-    المساواة في الحقوق العامة والمدنية والجزائية


للمرأة والرّجل في الإسلام حقوق متساوية، فالإسلام لم يعطِ أدوارًاً منفصلة للرّجال والنّساء، ولا يوجد تمايز بينهما إلا فيما يتعلّق بالدّور الأسري.
وبعكس ما يشاع، لم يحصرالإسلام النساء في الإطار المنزلي، فلهنّ أن يعملن في الحقل العام، ويتعلّمن، ولهن كما للرجال حق متساوٍ في طلب العلم، ما لم يكن هذا العلم يؤدّي إلى الانحراف الأخلاقي.
كم ساوى الاسلام  الرجل والمرأة في الحقوق المدنية، كالاهلية المالية والذمة المالية وحق التعاقد وغيرها. كذلك في العقوبة الجزائية، فعلى سبيل المثال يعاقب الزاني والزانية بنفس العقاب أي ان الاثنان يتحملان المسؤولية بالتساوي.
بالنسبة للزواج: أكد النبي محمد على حق المرأة في اختيار الزوج وحرّم تزويجها بدون رضاها، حتى بعد الزواج تبقى لها شخصيتها المدنية الكاملة فلا تفقد اسمها ولا أهليتها في التعاقد، ولا حقها في التملك.

ثالثًا: استمرار التمايزات: نسبية المساواة عند الاسلام


لكن بالرغم من كل تلك الحقوق المتساوية، يبرز في النصوص القرآنية استمرار التمايزات بين الرجل والمرأة، ما يعني ان المساواة كانت مطلقة في حالات ونسبية في حالات أخرى أهمها:

أ‌-       قوامة الرجل على المرأة


{الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضًا على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}( سورة النساء، آية 34)
إن قوامة الرجل على المرأة مبدأ معلن في الاسلام، ولكن الواضح من النص أن هذه القوامة ترتبط بمؤسسة الزواج وبمعيل الأسرة تحديدًا.
وقد تكون هذه القوامة أعطيت للرجل داخل مؤسسة الاسرة لحسن قيادتها، فكل جماعة أو تنظيم يحتاج لقائد مسؤول يقوده، ويجب أن يكون لهذا القائد مكانته بين الجماعة حتى يكون مسموعًا ومطاعًا، وعليه هو بالمقابل أن يتحمل المسؤولية كاملة ومنها المسؤولية المادية مقابل الطاعة.

ب‌-   للذَّكَر مثل حظِّ الأُنثَيَيْن \ تعدد الزوجات

قد يكون التمييز الذي نراه في الاسلام في هذا المجال مرتبطًا بالعدالة أكثر من ارتباطه بالمساواة. فالاسلام يعتبر العدالة مبدأً أساسيًا يجب تحقيقه في كافة مظاهر النشاط الانساني، لا بل أنها المرتكز الاول من المرتكزات التي تعتبر أساسيّة في إنتاج الشخصيّة الإسلاميّة، سواء في المجال الإسلامي أو خارجه، فالقسط أو العدل، يؤكد على ضرورة أن يحدّد لكلّ ذي حقّ حقّه. وباعطاء كل ذي حق حقه، تبتعد العدالة في الاسلام عن المساواة، لتصبح  عدالة "تكليفية" وليست عدالة مساواة.
 ففي الاحوال الشخصية، اشترط الاسلام على المرء "العدل" معتبرًا أياه الشرط الرئيسي للتعامل بين البشر، وبين الرجل والمرأة لذا لم يساوِ بينهما.
-         من ناحية الارث، لم يقم الاسلام بمساواة بين الرجل والمرأة في موضوع الميراث وحق كل منهما في ميراث أهله، لأن الاسلام  شدد على ما اعتبره "عدالة" في هذا الشأن، من منطلق أن الشرع قد كلّف الرجل بمهام ومسؤوليات وأعباء مادية أكثر من المرأة، وفرض عليه النفقة وغيرها من المصاريف، لذا من الطبيعي أن تكون مساواتهما في الحقوق غير عادلة بما أنه لا مساواة في الواجبات. من هنا ركزّ الاسلام على مفهوم العدالة ولم يركز على المساواة باعتبار أن المساواة هنا قد تؤدي الى "عدم عدالة".
-          في حالة تعدد الزوجات، النص يقول: {فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة}(النساء/3)، والعدل هنا متعدد الأوجه، لأنّ بعض الناس يمكن أن يتزوَّج واحدة وإثنين وثلاثة وليس عنده ما ينفق عليهن، فإذا لم يكن عند الرجل ما يستطيع أن يقوم به من حقوق الزوجة في ما يطلب منه، فعليه أن يكتفي بواحدة فقط. كذلك في جانب الميل القلبي، الرجل لا يستطيع أن يعدل لأنه ليس بيد الإنسان. لذا، فان النص أباح تعدد الزوجات ولكن عندما ربطه بالعدالة، ظهر أن التعدد هو الاستثناء والآحادية هي الأصل.

ج- الشهادة

بالرغم من اطلاعي على كثير من المراجع التي ناقشت هذا الامر، لم أجد تفسيرًا مقبولاً ومنطقيًا – بالنسبة لي-  لتمييز النص القرآني بين شهادة المرأة وشهادة الرجل. ان التمييز هذا يطعن المرأة في أهليتها، وكرامتها وانسانيتها، في حين أتت نصوص قرآنية عديدة لتؤكد نقيض ذلك، وتؤكد مساواتهما في الحقوق والواجبات من الزاوية المدنية والدينية. 
خاتمة
أن البحث في القيم الاسلامية وللتاريخ الاسلامي يقودنا الى خلاصة مفادها ان القول بمسؤولية الاسلام عن وضع المرأة وتهميشها هو افتراء تام.
ولكن ان أردنا أن نفتش عن الاسباب الكامنة وراء تهميش المرأة المسلمة بشكل عام، وعدم حصولها على المساواة التامة مع الرجل والتي ينص عليها الاسلام فيعود – برأيي الخاص- الى أسباب عدة، منها أهمها:
 أولاُ: قد يعود الأمر الى تاريخ الفتوحات الاسلامية؛ فعندما غزا المسلمون مناطق شاسعة، وتوسعوا ليضموا بلادًا ذات عادات بربرية وثقافات مختلفة ومتباينة التطور والتقدم والرقي. سعت تلك المجموعات الخاسرة عسكريًا، من خلال انخراطها بالدين الجديد أن تعيد لنفسها القيمة والمكانة التي خسرتها، لذا استخدمته ولم تبقِ من الاسلام الحقيقي وقيمه الا ما تماشى مع معتقداتها السابقة وقيمها وثقافاتها البربرية، بل عمد بعضها الى تغيير ما يمكن أن يصطدم بثقافتها السائدة. ونتيجة لذلك، اختلط بالاسلام الكثير من التقاليد الحضارية والثقافية، وألصقت بعض القبائل والشعوب قيمها الثقافية الخاصة بالاسلام، وهو بريء منها. والادهى، ان بعض هذه التعاليم التي حرّفت وغيّرت في اتجاهات تفسير القرآن، كانت تُعلَن – في بعض الحالات- وكأنها حقائق ثابتة ومطلقة، وعلى كل مسلم القبول بها تحت طائل انتهاك المقدسات، أو العقاب بسبب الخروج عن الدين.
ثانيًا: عدم تطبيق المسلمين الصحيح لنصوص القرآن كما هي روح النص و مقاصد الشريعة. ونلاحظ في هذا المجال، اختلاف التطبيق بين بلد وآخر، وبين ثقافة وأخرى، مما يشير الى انه ليس امرأة مسلمة بشكل عام، بل نجد امرأة لبنانية مسلمة، وامرأة تركية مسلمة وامرأة افغانية مسلمة.. والاختلاف بينهن بقدر اختلاف الحضارات والثقافات واللغات.
في النهاية، نستطيع القول ان ليس في الاسلام وكتابه وسيرة رسوله ما يمنع تقدم المرأة واعلاء شأنها ومساواتها التامة بالرجل، لكن إن كانت المرأة المسلمة في بعض الحالات لم تصل الى هذه الكمال في هذه الأمور فيعود ذلك لاسباب ثقافية واجتماعية وحضارية وسياسية غير مرتبطة بالدين. وما على المسلمين سوى تطبيق احكام الاسلام الصحيحة حتى تحتل المرأة المكانة التي هي لها بموجب الشرع، وتزال النظرة النمطية للمرأة المسلمة من أدبيات الفكر والاعلام والسياسة. 

2012/02/15

الجيش ... وزمن الجحود السياسي

منذ أن بدأت الأحداث في سورية، وبالتحديد منذ الانفلات الأمني الخطير الذي تشهده الأراضي السورية، يتعرض الجيش اللبناني لضغوط متنوعة وحملات سياسية، ومحاولات إشغال تلهيه عن المهمات المفترض به القيام بها، للحفاظ على السيادة اللبنانية وحفظ الأمن والاستقرار.بالمبدأ، يضطلع الجيش بمقتضى القانون بمهمة الدفاع عن الدولة اللبنانية، أي مهمة الدفاع عن أرض لبنان وشعبه والسلطة القائمة فيه، فيحفظ السيادة اللبنانية من خلال منع أي جهة خارجية من انتهاك الحدود اللبنانية، ويقوم بمؤازرة الأجهزة الأمنية في الداخل لمنع أي قوة من المسّ بالسيادة اللبنانية، أو تهديد الاستقرار أو الانقلاب على السلطات الشرعية.
من هذا المنطلق، وبعد أن تفاقم الوضع على الحدود اللبنانية السورية، وتحوّلت مناطق لبنانية بأكملها، إلى مناطق تعجّ بمسلحين من جنسيات متعددة يتسللون إلى سورية، وبعد أن امتلأت صفحات الإعلام الأجنبي والمحلي بأخبار وصور المسلحين المدججين بالسلاح في مناطق عكار بحجة مناصرة "الثورة السورية"، وبعد أن تهاونت السلطة السياسية اللبنانية في الاضطلاع بمسؤولياتها في حفظ سيادتها، ومنع التسيب على حدودها، بذريعة "النأي بالنفس"، الأمر الذي دعا السفير السوري إلى إرسال تحذير واضح إلى السلطات اللبنانية يحثها فيها على الالتزام بمسؤولياتها القانونية والاتفاقية.. بعد كل هذه التطورات، قام الجيش اللبناني بمهمة ناجحة في تلك المناطق موجهاً رسالة إلى من يعنيه الأمر، أن التسيب ومحاولات تقويض الاستقرار في سورية انطلاقاً من الأراضي اللبنانية لم يعد مسموحاً به بعد الآن.
ورداً على النجاح الذي حققه الجيش اللبناني، استخدمت قوى المستقبل وحلفاؤه، استراتيجية سياسية ميدانية الأوجه يمكن استشراف بعض معالمها، أو ما ظهر منها لغاية الآن بما يلي:
- هجوم سياسي فاجر مبرمج على الجيش اللبناني، فقد استفاض المستقبل وحلفاؤه، كما رموز التيارات السلفية في الشمال في الهجوم على الجيش ونعته بأوصاف يندى لها الجبين، وكأنما ليس لهذا الجيش مواقف مشرّفة طوال تاريخه، بل كأنما هو جيش العدو الإسرائيلي، والأدهى، أننا لم نسمع صوت هؤلاء حين كان الجيش الإسرائيلي يقتل الأطفال في غزة، وينتهك الحرمات الفلسطينية، ولم يصفوه بالنعوت البشعة والحاقدة والدعوة إلى الجهاد ضده كما قرأنا وسمعنا الخطابات الحاقدة والمشينة والداعية إلى قتل أفراد وعناصر الجيش اللبناني.
- محاولة إلهاء ميدانية للجيش اللبناني، وذلك لمنعه من ضبط الفلتان الذي كانت تشهده الحدود الشمالية مع سورية، ولعل التفجير الأمني الذي شهدته طرابلس، والتوتير المتصاعد ميدانياً، والذي ترافق مع خطابات سلفية ومذهبية خطيرة جداً، كان يهدف إلى إلهاء الجيش اللبناني، ومنعه من تنفيذ عمليات الانتشار المقررة في أكثر من منطقة حدودية، وذلك لتغيير أولوياته وحضّه على الانتشار في مناطق وأحياء طرابلس لضبط الأمن، بدلاً من التوجه إلى الحدود اللبنانية السورية لضبطها.
إذاً، شنّ الحريريون والسلفيون هجوماً على الجيش، لا لشيء، إلا لأنه نفذ القانون، وحافظ على استقرار لبنان ومنع تحوّل جزء من الوطن إلى منطقة مستباحة لتهريب المال والسلاح والعتاد والرجال إلى سورية، لتهديد أمنها، أرادوا من خلال الهجوم السياسي الضغط على الحكومة لمنع الجيش من استكمال تدابيره بحفظ الأمن في منطقة عرسال – وادي خالد، وذلك للاستمرار في المخطط القائم بمحاولة إقامة منطقة لبنانية عازلة على الحدود السورية، تكون منطلقاً للاعتداء على سورية، لكن فشلهم في مسعاهم هذا جعلهم يتحولون إلى الضغط الميداني.
إن الخطط التي يدبرها الحريريون والسلفيون ضد الجيش اللبناني ليست جديدة، والهجوم على الجيش ليس جديداً أيضاً، فمَن منا ينسى محاولات تغيير العقيدة القتالية، ومن ينسى تصريحات تكفير الجيش والخطة الجهنمية التي أودت بحياة العسكريين بنهر البارد ومحاولة زج الجيش وإغراقه في حرب مخيمات جديدة، كل هذه الخطط تؤكد أن المستقبل وحلفاءه يريدون الجيش أداة في أيديهم، يقمعون بواسطته خصومهم، ويريدون منه أن يغض النظر عن مؤامراتهم العابرة للحدود، وفي النهاية، يريدون منه أن يضرب المقاومة، فإن لم يستطع نزع سلاحها، فعلى الأقل يحققون هدفاً آخر، وهو جر المقاومة إلى قتال الجيش اللبناني ما يفقدها شرعيتها، ويخسرها جمهورها الداعم، ويألب الرأي العام اللبناني ضدها.
إن ما يحصل اليوم على الجيش، يجعلنا نشعر كما في كل مرة أن العقلية الميليشوية التي تكره الجيش اللبناني لم تزل مسيطرة على الطبقة السياسية اللبنانية، وإن أمراء الحرب لبسوا شكلياً البزات وربطات العنق، لكنهم لم يخلعوا حقدهم على الدولة والمؤسسات والقوى الشرعية، يحقدون على الجيش الذي يشكّل سياج الوطن، والذي لم تلوثه لوثة النفاق والدجل والطائفية والمذهبية البغيضة، كما لوثتهم، لذا يريدون أن ينحروه في زواربيهم المذهبية، وفي أقبية جهلهم وحقدهم.
قد يكون التصرف الميليشوي لتيار المستقبل مفهوماً ومعروفاً، وسكوت حلفائه ممن يضمرون حقداً مزمناً على الجيش اللبناني منذ زمن الميليشيات مفهوماً أيضاً، لكن ما لا يُفهم هو سكوت السلطة السياسية و"رؤوسها" واعتماد سياسة النأي بالنفس في هذا المضمار، وإذا سلمنا جدلاً، أن الميقاتي ينأى بنفسه عن الدفاع عن الجيش اللبناني، وعن تحويل المعتدين على الجيش إلى القضاء، لأسباب مذهبية انتخابية ضيقة، فما الذي يجعل رئيس الجمهورية اللبنانية يعتمد أيضاً سياسة النأي بالنفس والصمت عما يحصل من مؤامرات وتحريض ضد الجيش اللبناني، وهو الخارج من رحم المؤسسة العسكرية، والتي يدين لها بالوصول إلى رئاسة الجمهورية، وما الذي يجعل وزير الدفاع وغيره يعتمدون مبدأ الصمت؟.. بالفعل، إنه زمن "الجحود" السياسي بكل ما للكلمة من معنى.