بعد الحل الذي تمّ ابتداعه "على الطريقة اللبنانية" لقضية تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ظهر أن الاطراف كافة مجمعة على ضرورة عدم تفجير الوضع اللبناني، في ظل وضع إقليمي ضاغط عشية انسحاب أميركي من العراق، وتبلوُر مفاعيل الضغط الدولي والعربي على سوريا.
لعل هذا الحل الذي يقال إن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد اجترحه، أنقذ الرئيس الميقاتي من مفاعيل "مناورة" لم تكن مدروسة بشكل كاف، فهو في كل الأحوال، وبالرغم من تهديده بالاستقالة في حال لم يقرّ مجلس الوزراء تمويل المحكمة، لم يكن يبدو أنه سيستقيل فعلاً، وذلك بعدما عمد خلال الشهرين الماضيين إلى نفي التسريبات التي تحدثت عن احتمال استقالته في حال عدم التجاوب مع طلبه تمويل المحكمة، وأعلن أمام زواره في الآونة الأخيرة أن الاستقالة غير واردة، وأنه لو كان في نيته الاستقالة لما تسلّم هذا المنصب، بالإضافة إلى ما نُقل عنه من تأكيد خلال زيارته لبريطانيا مؤخراً، أن الحكومة باقية، ولا نية لديه للاستقالة، رابطاً وجودها بحماية الاستقرار في لبنان. لذا، وبعد كل هذه التأكيدات، عاد ليهدد إعلامياً، في إجراء ينسف كل صدقية للرجل، ويجعل مستقبله السياسي في مهب الريح، إلا إذا اعتقد أن السياسة الجنبلاطية بتغيير المواقف وتبديلها هي سياسة قابلة للتقليد!
إذاً، يبدو من المناورة التي قام بها الرئيس ميقاتي، والتي أدت إلى هذا الحل "العجيب" لتمويل المحكمة الدولية، أن الدول الكبرى التي ضغطت عليه، استغلت الوضع الإقليمي الحرج الذي تمر به المنطقة، كما استثمرت وضعاً غير مؤاتٍ دولياً تعيشه القيادة السورية ومحور المقاومة، فأحرجته وراهنت على موقف حزب الله المتمسك بالحكومة في ظل هذه الظروف، الأمر الذي جعل الرئيس ميقاتي يبالغ في "الدلع"، لدرجة حشر الجميع في الزاوية، ومحاولة وضعهم أمام الأمر الواقع بالقبول بتمويل محكمة دولية هدفها التآمر على لبنان، مهدداً بهدم هيكل الحكومة على مَن فيه، في وقت حرج للغاية، وفي ظل أوضاع إقليمية متأزمة.
ولعل "دلع" ميقاتي زاد عن حده، بعدما قدّم له حزب الله كل شيء، وراعاه في كل القضايا، حتى تلك التي أظهر فيها ميقاتي وسليمان كيدية سياسية واضحة ضد وزراء تكتل التغيير والإصلاح، لذا اعتقد رئيس الحكومة أن سياسة المهادنة التي اتبعها معه حزب الله، يمكن لها أن تستمر، ويمكن استثمارها.
لكن ما لم يحسبه الرئيس ميقاتي والأطراف الآخرون، هو نفاد صبر حلفائه في الحكومة، ومنهم العماد عون وتكتل التغيير والإصلاح، بعدما ظهر جلياً من خلال الممارسة الحكومية أن أداء الحكومة لم يكن على مستوى الوعود التي قُدمت للناس، فمشاريع الإصلاح التي رفعها تكتل التغيير والإصلاح لم تكن "بالونات" شعبية، بل هي جزء أساسي من خطته المعدّة للحكم، لذا لا يمكن للتكتل الاستمرار في تغطية التسويف الحاصل في إقرار المشاريع الحياتية، أو استئصال الفساد، وهو قد بنى سياسته على الأمرين معاً، ووعد الجمهور اللبناني بسياسة جديدة تخرجه إلى "الدولة"، وتحقق أمنه الاجتماعي والاقتصادي.
وقد يكون الأمر الأكثر إيلاماً هو تعامل الرئيس ميقاتي مع المخلفات الحريرية بأسلوب الحماية، ومهادنة الحريريين، وغض النظر عن الموظفين الفاسدين، وأصحاب الممارسات الميليشوية، الذين عاثوا فساداً وحوّلوا الدولة إلى "مشيخة حريرية" طيلة فترة الحكم السابق، في موقف استفزازي لمشاعر اللبنانيين ولوزراء التكتل، الذين عانوا من عدم قدرتهم على ضبط إدارتهم، بسبب الاستغلال السياسي والمذهبي الداعم للموظفين الفاسدين.
في كل الأحوال، وبغض النظر عن ماهية التسوية التي تمّ التوصل إليها، فإن ما حصل يجب ألا يجعل الطبقة السياسية اللبنانية، ومعها الحكومة العتيدة ورئيسها، تراهن على صبر المواطنين اللبنانيين طويلاً، فالحكومة لغاية الآن لم تحقق شيئاً يمكن أن يقال عنه إنه "فارق نوعي" في التعامل مع حاجات المواطنين الملحة، وعلى الرئيس ميقاتي ومجترحي الحلول الإنقاذية لمناوراته أن يدركوا أن السياسة التي تستخدمها الحكومة في تأجيل البت بهموم الناس، وتأجيل طرح المشاريع التي تهمّ المواطنين، لم يعد من الممكن التغاضي عنها، وإلا أدّت إلى ثورة شعبية، وبالتالي لا يمكن للحكومة اللبنانية أن تستمر في التسويف في قضايا الناس ومصيرهم، مقابل اهتمامها بتأمين ما تطلبه الدول الغربية، فالمحكمة ليست أكثر أهمية من الكهرباء، ولا من أزمة السير المستفحلة، ولا من الضمان الصحي، في وقت يحصد الموت آلاف اللبنانيين غير القادرين على دفع تكاليف الاستشفتاء الباهظة.
لذلك، ومن هذا الباب، وبما أن الحلول يمكن أن تُجترح بين ليلة وضحاها، وبسحر ساحر، يمكن للطبقة السياسية اللبنانية أن تجترح حلولاً مماثلة لمشاكل المواطنين المستفحلة، كالكهرباء والمياه، ومشاكل الدواء والغلاء وتصحيح الأجور، وغيرها من المواضيع التي تبدو ذات أهمية كبرى للشعب اللبناني أكثر من تمويل محكمة دولية هدفها القضاء على المقاومة، وتقويض الاستقرار في لبنان.
لعل هذا الحل الذي يقال إن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد اجترحه، أنقذ الرئيس الميقاتي من مفاعيل "مناورة" لم تكن مدروسة بشكل كاف، فهو في كل الأحوال، وبالرغم من تهديده بالاستقالة في حال لم يقرّ مجلس الوزراء تمويل المحكمة، لم يكن يبدو أنه سيستقيل فعلاً، وذلك بعدما عمد خلال الشهرين الماضيين إلى نفي التسريبات التي تحدثت عن احتمال استقالته في حال عدم التجاوب مع طلبه تمويل المحكمة، وأعلن أمام زواره في الآونة الأخيرة أن الاستقالة غير واردة، وأنه لو كان في نيته الاستقالة لما تسلّم هذا المنصب، بالإضافة إلى ما نُقل عنه من تأكيد خلال زيارته لبريطانيا مؤخراً، أن الحكومة باقية، ولا نية لديه للاستقالة، رابطاً وجودها بحماية الاستقرار في لبنان. لذا، وبعد كل هذه التأكيدات، عاد ليهدد إعلامياً، في إجراء ينسف كل صدقية للرجل، ويجعل مستقبله السياسي في مهب الريح، إلا إذا اعتقد أن السياسة الجنبلاطية بتغيير المواقف وتبديلها هي سياسة قابلة للتقليد!
إذاً، يبدو من المناورة التي قام بها الرئيس ميقاتي، والتي أدت إلى هذا الحل "العجيب" لتمويل المحكمة الدولية، أن الدول الكبرى التي ضغطت عليه، استغلت الوضع الإقليمي الحرج الذي تمر به المنطقة، كما استثمرت وضعاً غير مؤاتٍ دولياً تعيشه القيادة السورية ومحور المقاومة، فأحرجته وراهنت على موقف حزب الله المتمسك بالحكومة في ظل هذه الظروف، الأمر الذي جعل الرئيس ميقاتي يبالغ في "الدلع"، لدرجة حشر الجميع في الزاوية، ومحاولة وضعهم أمام الأمر الواقع بالقبول بتمويل محكمة دولية هدفها التآمر على لبنان، مهدداً بهدم هيكل الحكومة على مَن فيه، في وقت حرج للغاية، وفي ظل أوضاع إقليمية متأزمة.
ولعل "دلع" ميقاتي زاد عن حده، بعدما قدّم له حزب الله كل شيء، وراعاه في كل القضايا، حتى تلك التي أظهر فيها ميقاتي وسليمان كيدية سياسية واضحة ضد وزراء تكتل التغيير والإصلاح، لذا اعتقد رئيس الحكومة أن سياسة المهادنة التي اتبعها معه حزب الله، يمكن لها أن تستمر، ويمكن استثمارها.
لكن ما لم يحسبه الرئيس ميقاتي والأطراف الآخرون، هو نفاد صبر حلفائه في الحكومة، ومنهم العماد عون وتكتل التغيير والإصلاح، بعدما ظهر جلياً من خلال الممارسة الحكومية أن أداء الحكومة لم يكن على مستوى الوعود التي قُدمت للناس، فمشاريع الإصلاح التي رفعها تكتل التغيير والإصلاح لم تكن "بالونات" شعبية، بل هي جزء أساسي من خطته المعدّة للحكم، لذا لا يمكن للتكتل الاستمرار في تغطية التسويف الحاصل في إقرار المشاريع الحياتية، أو استئصال الفساد، وهو قد بنى سياسته على الأمرين معاً، ووعد الجمهور اللبناني بسياسة جديدة تخرجه إلى "الدولة"، وتحقق أمنه الاجتماعي والاقتصادي.
وقد يكون الأمر الأكثر إيلاماً هو تعامل الرئيس ميقاتي مع المخلفات الحريرية بأسلوب الحماية، ومهادنة الحريريين، وغض النظر عن الموظفين الفاسدين، وأصحاب الممارسات الميليشوية، الذين عاثوا فساداً وحوّلوا الدولة إلى "مشيخة حريرية" طيلة فترة الحكم السابق، في موقف استفزازي لمشاعر اللبنانيين ولوزراء التكتل، الذين عانوا من عدم قدرتهم على ضبط إدارتهم، بسبب الاستغلال السياسي والمذهبي الداعم للموظفين الفاسدين.
في كل الأحوال، وبغض النظر عن ماهية التسوية التي تمّ التوصل إليها، فإن ما حصل يجب ألا يجعل الطبقة السياسية اللبنانية، ومعها الحكومة العتيدة ورئيسها، تراهن على صبر المواطنين اللبنانيين طويلاً، فالحكومة لغاية الآن لم تحقق شيئاً يمكن أن يقال عنه إنه "فارق نوعي" في التعامل مع حاجات المواطنين الملحة، وعلى الرئيس ميقاتي ومجترحي الحلول الإنقاذية لمناوراته أن يدركوا أن السياسة التي تستخدمها الحكومة في تأجيل البت بهموم الناس، وتأجيل طرح المشاريع التي تهمّ المواطنين، لم يعد من الممكن التغاضي عنها، وإلا أدّت إلى ثورة شعبية، وبالتالي لا يمكن للحكومة اللبنانية أن تستمر في التسويف في قضايا الناس ومصيرهم، مقابل اهتمامها بتأمين ما تطلبه الدول الغربية، فالمحكمة ليست أكثر أهمية من الكهرباء، ولا من أزمة السير المستفحلة، ولا من الضمان الصحي، في وقت يحصد الموت آلاف اللبنانيين غير القادرين على دفع تكاليف الاستشفتاء الباهظة.
لذلك، ومن هذا الباب، وبما أن الحلول يمكن أن تُجترح بين ليلة وضحاها، وبسحر ساحر، يمكن للطبقة السياسية اللبنانية أن تجترح حلولاً مماثلة لمشاكل المواطنين المستفحلة، كالكهرباء والمياه، ومشاكل الدواء والغلاء وتصحيح الأجور، وغيرها من المواضيع التي تبدو ذات أهمية كبرى للشعب اللبناني أكثر من تمويل محكمة دولية هدفها القضاء على المقاومة، وتقويض الاستقرار في لبنان.
ليلى نقولا الرحباني
استاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق