تهب موجات التفاؤل على اللبنانيين كموجات الحر الربيعي؛ فلا هم واثقون بأن الصيف قد أتى فعلاً، ولا هم عالمون إن كان المطر سيعود إلى الإطلالة برأسه بعد انحسار موجة الحر.. وهكذا يقضي اللبنانيون أوقاتهم بين موجة تفاؤلية وموجة تشاؤمية، وبانتظار حلول عقد مصطنعة، بينما يعيش المواطن هاجس رغيف خبزه وأسعار المحروقات، وراتبه الذي يكاد لا يكفي ثمن وصوله إلى عمله.
منذ أن تبنت الأكثرية الجديدة ترشيح الرئيس نجيب ميقاتي، والبلد يراوح مكانه؛ بانتظار حلول "سحرية" يقدمها الرئيس المكلف، تتناسب مع شروطه الغريبة، ومطالبه ومطالب رئيس الجمهورية، والتي لو قُبلت لأبقت الفتات للكتل النيابية الوازنة في المجلس.
اللافت أن مماطلة ميقاتي في تشكيل حكومته تذكّر تماماً بالفترة التي كان سعد الحريري يحاول فيها تأليف حكومته التي سقطت وهو على أبواب الرئيس الأميركي، حينها افتعل المستقبليون ما سُمي بـ"عقدة عون"، واشترطوا على رئيس تكتل (التغيير والإصلاح) عدم توزير جبران باسيل، في مشهد ينقض كل الأعراف السائدة.
قد يُفهم موقف الحريري حينها وهو يتجه لتأليف حكومة تضم المتناقضات، وهو لا يريد وزيراً قوياً في حكومته، فافتعل معركة وأراد أن يحقق انتصاراً مجانياً على العماد عون، الذي لم يمنحه إياه بطبيعة الحال، لكن ما لا يمكن أن يُفهم، هو أن تكون الأكثرية الجديدة غير قادرة حتى الآن، وهي التي أوصلت الرئيس ميقاتي إلى الحكم، وأوصلت الرئي ميشال سليمان إلى الرئاسة، ألا تكون قادرة على تشكيل حكومتها العتيدة، بالرغم من كل الظروف التي يمر فيها البلد.
إذاً، ما الذي أعاق الأكثرية عن تشكيل حكومتها حتى الآن؟ وما الذي يجعل التفاؤل اليوم أكثر واقعية؟
بداية، إن ما يقال في وسائل الإعلام عن أن فريقاً واحداً يشكّل الحكومة هو قول خاطئ، فقد تبين أن الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية يشكلان فريقاً، والأكثرية الجديدة فريق آخر.
في الواقع، لقد دخلت أميركا من خلال عقدة التأليف الحكومي التي افتعلها ميقاتي وسليمان إلى بازار التعطيل، وفروض الشروط التعجيزية، ومحاولة إحراج العماد عون واتهامه بتعطيل البلد، كما فعلوا تماماً خلال محاولة تشكيل سعد الحريري لحكومته.
ثانياً: هناك من أقنع سليمان وميقاتي أن ما يقومان به من تعطيل، سيجعل لهما حيثية شعبية داخل طائفتيهما، وستترجم هذه المكاسب في الانتخابات النيابية المقبلة، لكن، إن كان هناك بعضاً من هذه الحقيقة قد تجوز للرئيس الملكف، لكن سليمان الذي يحاول اقتناص دور وحصص ليست له، لا يمكن أن يصرفها في أي مجال، فالمسيحيون اليوم أدركوا أكثر من أي وقت مضى صحة خيارات العماد عون الانفتاحية في الداخل والمحيط العربي، وما القلق الذي ساد على مسيحيي سورية ومصيرهم في الآونة الأخيرة، إلا أحد الشواهد الدامغة. ثم إن المسيحيين اللبنانيين باتوا مقتنعين بأن خسارة العماد عون لمعركته التي يقودها اليوم لتثبيتهم في النظام اللبناني، ستجعلهم مواطنين درجة ثانية إلى ما لا نهاية، فما يطالب به رئيس تكتل (التغيير والإصلاح) هو حقوق مكتسبة لهم في نظام مبني على تحاصص طائفي، وليست حصصاً شخصية له أو لتكتله.
ثالثاً: ظهر الرجلان من خلال التعطيل الذي مارساه، وكأنهما يحاولان الالتفاف والتسويف إلى ما لا نهاية، بانتظار جلاء الموقف الإقليمي والتطورات الميدانية في سورية؛ تماماً كما انتظروا قبلها بوادر قرار ظني لم يبصر النور.
راهن سليمان وميقاتي ومن خلفهما أميركا، على سقوط أو اهتزاز كبير يضعف القيادة في سورية، فتخسر الأكثرية الجديدة حليفاً قوياً، ما يتيح لأميركا الانتصار والدخول مجدداً، وبقوة، إلى الساحة السياسية اللبنانية، لتثبيت ما كانت قد حققته من مكاسب خلال فترة حكمي السنيورة والحريري، لكن نجاح النظام السوري في القضاء على مجموعات التخريب، وفرض الاستقرار، وعلى ما يبدو سيخرج من هذه المحنة التي مر فيها أقوى من قبل، قد يجعل ميقاتي وسليمان، ومن وراءهما، يتراجعون عن المماطلة والتسويف واختلاق الأعذار الواهية والشروط التعجيزية، فتتشكل حكومة الميقاتي العتيدة.
في المحصلة، بيّنت الأزمة الأخيرة أن لبنان لن يكن مستقلاً يوماً، وأنه سيبقى الساحة الخلفية لتصفية الحسابات الإقليمية، أو بالأحرى المرآة العاكسة للتوازنات في المنطقة، فتكون حكومته ومجلس نوابه ومؤسساته دائماً ضحية تقاسم الحصص الإقليمية، أو حجراً في لعبة الشطرنج الدولية، فما أن انقشع غبار المعركة في سورية، واقتنع الغرب بعدم قدرته على زعزعة الأمن والاستقرار فيها، حتى باتت موجات التفاؤل أكثر واقعية من ذي قبل، إلا إذا كان الأميركيون يريدون رهن مصير حكومة لبنان لتسوية ملفات إقليمية أخرى، فعندها ولو حُلّت عقدة الداخلية، ستبرز عقد الطاقة والمياه، والاتصالات وغيرها..
* أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية منذ أن تبنت الأكثرية الجديدة ترشيح الرئيس نجيب ميقاتي، والبلد يراوح مكانه؛ بانتظار حلول "سحرية" يقدمها الرئيس المكلف، تتناسب مع شروطه الغريبة، ومطالبه ومطالب رئيس الجمهورية، والتي لو قُبلت لأبقت الفتات للكتل النيابية الوازنة في المجلس.
اللافت أن مماطلة ميقاتي في تشكيل حكومته تذكّر تماماً بالفترة التي كان سعد الحريري يحاول فيها تأليف حكومته التي سقطت وهو على أبواب الرئيس الأميركي، حينها افتعل المستقبليون ما سُمي بـ"عقدة عون"، واشترطوا على رئيس تكتل (التغيير والإصلاح) عدم توزير جبران باسيل، في مشهد ينقض كل الأعراف السائدة.
قد يُفهم موقف الحريري حينها وهو يتجه لتأليف حكومة تضم المتناقضات، وهو لا يريد وزيراً قوياً في حكومته، فافتعل معركة وأراد أن يحقق انتصاراً مجانياً على العماد عون، الذي لم يمنحه إياه بطبيعة الحال، لكن ما لا يمكن أن يُفهم، هو أن تكون الأكثرية الجديدة غير قادرة حتى الآن، وهي التي أوصلت الرئيس ميقاتي إلى الحكم، وأوصلت الرئي ميشال سليمان إلى الرئاسة، ألا تكون قادرة على تشكيل حكومتها العتيدة، بالرغم من كل الظروف التي يمر فيها البلد.
إذاً، ما الذي أعاق الأكثرية عن تشكيل حكومتها حتى الآن؟ وما الذي يجعل التفاؤل اليوم أكثر واقعية؟
بداية، إن ما يقال في وسائل الإعلام عن أن فريقاً واحداً يشكّل الحكومة هو قول خاطئ، فقد تبين أن الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية يشكلان فريقاً، والأكثرية الجديدة فريق آخر.
في الواقع، لقد دخلت أميركا من خلال عقدة التأليف الحكومي التي افتعلها ميقاتي وسليمان إلى بازار التعطيل، وفروض الشروط التعجيزية، ومحاولة إحراج العماد عون واتهامه بتعطيل البلد، كما فعلوا تماماً خلال محاولة تشكيل سعد الحريري لحكومته.
ثانياً: هناك من أقنع سليمان وميقاتي أن ما يقومان به من تعطيل، سيجعل لهما حيثية شعبية داخل طائفتيهما، وستترجم هذه المكاسب في الانتخابات النيابية المقبلة، لكن، إن كان هناك بعضاً من هذه الحقيقة قد تجوز للرئيس الملكف، لكن سليمان الذي يحاول اقتناص دور وحصص ليست له، لا يمكن أن يصرفها في أي مجال، فالمسيحيون اليوم أدركوا أكثر من أي وقت مضى صحة خيارات العماد عون الانفتاحية في الداخل والمحيط العربي، وما القلق الذي ساد على مسيحيي سورية ومصيرهم في الآونة الأخيرة، إلا أحد الشواهد الدامغة. ثم إن المسيحيين اللبنانيين باتوا مقتنعين بأن خسارة العماد عون لمعركته التي يقودها اليوم لتثبيتهم في النظام اللبناني، ستجعلهم مواطنين درجة ثانية إلى ما لا نهاية، فما يطالب به رئيس تكتل (التغيير والإصلاح) هو حقوق مكتسبة لهم في نظام مبني على تحاصص طائفي، وليست حصصاً شخصية له أو لتكتله.
ثالثاً: ظهر الرجلان من خلال التعطيل الذي مارساه، وكأنهما يحاولان الالتفاف والتسويف إلى ما لا نهاية، بانتظار جلاء الموقف الإقليمي والتطورات الميدانية في سورية؛ تماماً كما انتظروا قبلها بوادر قرار ظني لم يبصر النور.
راهن سليمان وميقاتي ومن خلفهما أميركا، على سقوط أو اهتزاز كبير يضعف القيادة في سورية، فتخسر الأكثرية الجديدة حليفاً قوياً، ما يتيح لأميركا الانتصار والدخول مجدداً، وبقوة، إلى الساحة السياسية اللبنانية، لتثبيت ما كانت قد حققته من مكاسب خلال فترة حكمي السنيورة والحريري، لكن نجاح النظام السوري في القضاء على مجموعات التخريب، وفرض الاستقرار، وعلى ما يبدو سيخرج من هذه المحنة التي مر فيها أقوى من قبل، قد يجعل ميقاتي وسليمان، ومن وراءهما، يتراجعون عن المماطلة والتسويف واختلاق الأعذار الواهية والشروط التعجيزية، فتتشكل حكومة الميقاتي العتيدة.
في المحصلة، بيّنت الأزمة الأخيرة أن لبنان لن يكن مستقلاً يوماً، وأنه سيبقى الساحة الخلفية لتصفية الحسابات الإقليمية، أو بالأحرى المرآة العاكسة للتوازنات في المنطقة، فتكون حكومته ومجلس نوابه ومؤسساته دائماً ضحية تقاسم الحصص الإقليمية، أو حجراً في لعبة الشطرنج الدولية، فما أن انقشع غبار المعركة في سورية، واقتنع الغرب بعدم قدرته على زعزعة الأمن والاستقرار فيها، حتى باتت موجات التفاؤل أكثر واقعية من ذي قبل، إلا إذا كان الأميركيون يريدون رهن مصير حكومة لبنان لتسوية ملفات إقليمية أخرى، فعندها ولو حُلّت عقدة الداخلية، ستبرز عقد الطاقة والمياه، والاتصالات وغيرها..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق