2011/05/25

المقاومة الوطنية : صراع مع مشروع بناء الدولة ام تفاعل وتكامل؟

أني اذ أتقدم بالتهاني لجميع اللبنانيين والعرب بمناسبة يوم المقاومة والتحرير في لبنان، وبذكرى انسحاب العدو الاسرائيلي من أول أرض عربية بدون معاهدة سلام او بالاحرى معاهدة ذل وانكسار... أعيد نشر محاضرة سابقة لي، لأني أجد ما قيل فيها ما زال صالحًا لوقتنا الراهن، حيث يتحدث كثر عن تعارض المقاومة وبناء الدولة الحديثة في لبنان.... ان من يدّعي ذلك، يتخلى ببساطة عن أبسط حقوقه الانسانية، ويدعو الى التخلي جزء جوهري من الكرامة الكيانية للانسان وعن ارث من النضال العالمي والمحلي لحفظ الحق الانساني الطبيعي برد الظلم العدوان.
ليلى نقولا الرحباني

المقاومة الوطنية : صراع مع مشروع بناء الدولة ام تفاعل وتكامل؟
محاضرة قدمت في الرقّة
مقدمة
أولاً: في المفهوم والتعريف 
ثانياً: المقاومة في الاديان السماوية
-       في المسيحية
-       في الاسلام
ثالثاً: حق المقاومة في القانون الدولي
أ- المقاومة: حق أقرّته الثورات التاريخية
ب- حق المقاومة في الامم المتحدة
رابعاً: المقاومة ومشروع الدولة: تكامل وتفاعل أم صراع وإلغاء؟
خاتمة وتوصيات
 مقدمة
يقول المفكرون إن خيار المقاومة يعكس انهيار ثقة المواطنين بالدولة، فاما أن تنشأ المقاومة لتقاعس السلطة عن أداء مهماتها في حفظ الارض والشعب من الاعتداءات الخارجية، فيقوم الشعب أو جزء منه بالدفاع عن الارض ومقاومة الاحتلال، او تنشأ لمقاومة استبداد السلطة وتعسفها فتطمح إلى بناء سلطة بديلة قادرة على تلبية مطالب المجتمع المتعلقة بالحرية الضامنة للكرامة والهوية. فهل هذا يعني ان الدولة والمقاومة مشروعان متناقضان يلغي أحدهما الآخر؟ وهل ما يُطرح في لبنان من أن وجود المقاومة يمنع مشروع بناء الدولة ويعطله، وإن لا دولة إلا بإلغاء المقاومة هو إدعاء حقيقي؟.
سنناقش في هذه الورقة، حق الشعوب في المقاومة لا بل وواجبها أيضاً، فننطلق من التعريف، الى نظرة الشرائع السماوية لهذا الحق، ثم تأكيده من قبل الثورات التاريخية والقانون الدولي العام، وننهي بدراسة السؤال المحوري في هذه الدراسة: هل هناك صراع بين مشروعي الدولة والمقاومة أم تكامل وتفاعل؟
أولاً: في المفهوم والتعريف
نظراً للتفاوت في قدرات الدول في حماية حقوق مواطنيها ، طُرحت مسألة بالغة الاهمية تتمثل بتحديد كيف، ومَن يجب أن يحمي الافراد والمجتمعات في حال اعتدت السلطة الحاكمة على حقوقهم، او في حال عجزت أو قصرت السلطة عن الحفاظ على النظام العام، أو اذا عجزت أو قصرت عن الرد على الاعتداء الخارجي. بمعنى آخر هل للمواطن يقوم بنفسه بحماية حقوقه وأرضه في حال عجز السلطة عن الحماية؟
لن نخوض في أسس مقاومة المواطن للسلطة، ففيها تتوزع مواقف فلاسفة القانون والسياسة بين مذاهب عدة ، وتطرح تسميات مختلفة للانواع التي تقوم بالرفض والمجال لا يتسع لطرحها، بل سنركز موضوعنا على مواجهة العدوان الخارجي كونه الاهم في مرحلتنا الراهنة .
من البديهي ان تكون السلطة هي المسؤولة عن مواجهة اي اعتداء على الوطن والمواطنين فيه، وان تضطلع بمهمة الدفاع والحماية وهو ما يعبر عنه بمقولة "توفير الامن القومي". وهذا يعود الى اصل ومبرر وجود الدول، اذ ان الوظيفة الاولى التي قامت الدولة من أجلها تتمثل بهذا الامر قبل ان تتطور الى "دولة الرعاية" التي تؤمن الى جانب السلامة الجسدية والأمن والوجود، الرفاه والتطور والرعاية الاجتماعية، لذلك أسميت الدولة في وجهها الاول "الدولة الحارس" او "الدولة الشرطي" وهو ما حاولت النظريات النيو-ليبرالية في الغرب العودة اليه بقوة منذ الثمانينات وخاصة مع وصول الثنائي ريغان وتاتشر الى السلطة في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.
والسؤال المطروح هنا هل الشعب او المواطن تنازل للدولة عن حقه بالدفاع عن النفس تنازلاً كلياً وعليه ان يتحمل نتائج اداء الدولة نصراً او هزيمة في مواجهة العدوان الخارجي ويستسلم لتلك النتائج من غير حراك ، أم ان التفويض المعطى للدولة في الدفاع والحماية انما هو تفويض قابل للنقض في حال العجز ، نقض يؤدي الى استعادة الحق وممارسته لتحقيق المبتغى وحفظ الوجود والمصالح ؟
يكاد رجال القانون والسياسة يجمعون على امر مواجهة الاعتداء الخارجي، ويقولون بالحق الفردي والجماعي للدفاع المشروع عن النفس، فمن اعتدي عليه وعجزت السلطة عن حمايته كان له الحق بأن يقوم بنفسه برد الاعتداء. وفي الصور الحديثة للممارسة الشعبية لهذا الحق نشأت فكرة المقاومة.
وتعريف المقاومة الوطنية للاحتلال يتجلى في السلوك الذي يبديه شعب ما بطريقة عفوية أو منظمة باستقلالية تامة عن القرار الرسمي بغية مواجهة انتهاك أو اعتداء على الحقوق الوطنية والاهداف الاستراتيجية للدولة، فيكون للدفاع عنها برد الاعتداء استقلالاً أو عبر مساعدة القوى النظامية التي عجزت كلياً عن انقاذ هذه الاهداف الاستراتيجية. اذا، المقاومة في المفهوم الوطني هي "فعل دفاعي لانقاذ حق وطني من عدوان وقع عليه، وابعاد الخطر الذي يتهدده" .
وانطلاقاً مما سبق فاننا نعطي المقاومة التعريف التالي:
 "المقاومة هي ممارسة المواطن لحق مشروع مكفول له، وفقاً لاي شكل متاح، من اجل استعادة حق انتهك او اغتصب، او الدفاع عن حق مهدد بالانتهاك و حمايته، وهي تشتمل على تحرير الارض من العدو الخارجي والتحرر من الاستغلال الداخلي والهيمنة على مقدرات الوطن من قبل فئة لا تمثل الارادة الشعبية".
ثانياً - حق المقاومة في الاديان السماوية
من البديهي القول ان المقاومة ليست اعتداء على الغير بل هي استعادة لحق مسلوبتأتى، وليست مجرد ممارسة للعنف، بل إنها فعل إنساني طبيعي للحفاظ على الوجود والعيش بكرامة وحرية. ولهذا تشمل المقاومة جميع جوانب الحياة المادية والمعنوية، فقد تكون عسكرية، ثقافية، سياسية، اقتصادية، تقنية وإعلامية كما تختلف أنماطها فتكون فردية أو جماعية، داخلية أوخارجية... لأنها دفاع عن الذات، عن الجماعة وعن الوطن .
ان المقاومة المتجسدة بالدفاع عن الذات ودحر المحتل الغاصب للأرض، ليست بدعة مستحدثة، بل هي حالة وجودية لكل مخلوق، كرستها الاديان السماوية وأقرتها المواثيق والقوانين الدولية.‏ إنها دفاع إنساني مشروع عن الحياة الفردية أو الجماعية ضد من يعمل على قتلها ، وعن الارض والوطن ضد من يعتدي عليهما.
أ- المقاومة في الدين المسيحي:
اذا أردنا استرجاع تطور حق المقاومة تاريخياً، يمكن القول ان صورة "المسيح المصلوب" كانت أول تعبير واضح عن صورة الشهيد الذي يستشهد من أجل قضية سامية، صورة دعا الله البشر من خلالها الى رفض الظلم والطغيان. ودعا المسيحيين الى الاقتداء بالتعاليم الأساسية للمسيح وأهمها  "الشهادة للحق"[1]، ورفض الشر ومقاومته، والثورة على الظلم.
صحيح أنّ المسيح دعا إلى محبّة الأعداء، لكن ذلك لا يعني أنّ المسيح لا يقيم فرقاً بين الإنسان وأعماله. اذ ان  "محبّة الأعداء" لا تقوم على تجاهل العداوة أو على إنكارها، بل على اعتبار العدوّ إنسانًا قابلاً للتوبة، فتكون مقاومة المؤمن له مقاومةً للشرّ الذي فيه، ورجاءً في تحوّله إلى إنسان صالح يلتقي به في الإنسانيّة الواحدة. في المقابل، ان المحبّة- المدعو اليها المسيحي- تفترض التصدّي للأشرار والظالمين والمعتدين حفاظًا على الحياة التي ائتمننا الله عليها.
وفي هذا الاطار، يقول أمبروسيوس، أسقف ميلانو (القرن الرابع): "إنّ الذي لا يصدّ الظلم الذي يهدّد أخاه، في حين أنّه قادر على ذلك، لا يقلّ ذنباً عن الذي يقترف الظلم، وكلّ مجاراة للظالم في موقفه العدوانيّ إنّما هي هزيمةٌ للمحبّة وإنكارٌ لقوّة ملكوت الله الفاعلة منذ الآن في الأرض وتخليدٌ لدوّامة الشرّ".
اما "الشهادة للحق" التي دعا اليها السيد المسيح، فلها أساليب عدّة: بالقول وبالفكر وبالعمل، وأيضًا بالدم المبذول من أجل الأحبّة. لذلك، ان حياة المسيحيّ كما يدعوه اليه المسيح هي مقاومة مستمرّة طالما هناك إنسان مقهور في حرّيّته أو في رزقه أو في طعام أولاده. 1
والواقع ان الكنيسة التي حكمت اوروبا في العصور الوسطى هي التي أضاءت- بشكل متعمد- على ما جاء في عظة الجبل للسيد المسيح عندما قال: "من ضربك على خدك الايمن در له الايسر"، وعتّمت على كل الجوانب المقاومة والثائرة ليسوع المسيح وذلك لكي يسهل عليها اخضاع المسيحيين لنفوذها، من خلال الادعاء بأن المسيح وعدهم بالعدالة والسعادة في الحياة الاخرى وبالتالي ليس من واجبهم مقاومة الظلم في هذه الارض "الفانية".
ب-حق المقاومة في الاسلام:
اعتبر الدكتور حسن الجوجو2 أنه "إذا احتل العدو أي شبر من بلاد المسلمين وجب على المسلمين أن يخرجوا للدفاع عن أرضهم ومقدراتهم، ولا أحد يستطيع أن يلغي جهاد السيف والسلاح ضد العدو؛ لأن فيه نصا من قبل الله تعالى:"{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (الحج: 39)... واعتبر أن الجهاد في الشريعة الإسلامية يتعدد، فمنه جهاد الكلمة وجهاد القلم وجهاد الموقف والسيف الخ....1
وبنظرة على بعض آيات القرآن الكريم تتبين لنا الأهمية الكبرى التي يوليها الإسلام لقيمة العدل، - ففي الآية التسعين من سورة النحل: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان"،
- وفي الآية الخامسة والعشرين من سورة الحديد "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط".
- في الآية الثانية والأربعين من سورة المائدة أيضا "إن الله يحب المقسطين".
ويقول الدكتور شاندرا مظفر ان "الهدف من هذا الحض على دفع الظلم إنما هو لتحفيز الناس على اتخاذ موقف منه والعمل على إرساء العدل في حياتهم". ويتساءل هل هناك أي نص يأمر المسلمين بأن يأخذوا على عاتقهم تحقيق ذلك بالقوة؟  ويجيب ان هناك بعض الآيات القرآنية التي تسمح للمسلمين بأن يلجأوا إلى استعمال القوة ولكن فقط من أجل مقاومة القمع والعدوان. فالآية التسعون بعد المائة من سورة البقرة تقول "قاتلوا في سيبل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين". ويستنتج اذاً أن الله قصر الحق في استخدام القوة ورفع السلاح على مواقف يقع فيها الفرد ضحية العدوان والقمع، وهو يأمرهم بالا بعتدوا على الاخرين، وهو ما يماثل مفهوم "الحرب العادلة" في أدبيات الثقافة المسيحية في العصور الوسطى.1
ثالثاً- حق المقاومة في القانون الدولي العام:
انطلق أب القانون الدولي غروتيوس (1583-1645م)  من فكرة احترام الحق الطبيعي للأشخاص ليدعو الى المقاومة، واعتبر ان حقوق الانسان مستمدة من القانون الطبيعي الأسمى، لذا فان أي انتهاك لهذا الحقوق يمنح الافراد حق مقاومة الظلم والتعسف.  
أ-المقاومة: حق أقرّته الثورات التاريخية
- يمكن اعتبار إعلان الاستقلال الأمريكي (1776) أول وثيقة رسمية تنص صراحة على حق المقاومة. إذ يؤكد نص الاعلان على  "أن المقاومة المسلحة هي المرحلة الأخيرة للاحتجاج ضد الهيمنة الاستعمارية".
- اما "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" الفرنسي عام (1789م) فقد أقر أربعة حقوق طبيعية للإنسان لا يجوز المس بها: حق الملكية، حق الحرية، الحق في الأمن، الحق في مقاومة الظلم والاستبداد، مؤصلاً لهذا الحق الاخير في الاتجاهات المدافعة عن هذه الحقوق بشكل مبكر. وقد اعتبرت المادة 33 من النص الثاني لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 1793 أن حق مقاومة الظلم هو النتيجة الطبيعية لحقوق الإنسان الأخرى.
- "إعلان حقوق وواجبات الإنسان الاجتماعي" – جنيف في 9/6/1793 أقر في المادة العاشرة حقوقاً ستة هي "المساواة والحرية والأمن والملكية والضمان الاجتماعي ومقاومة الظلم". واعتبرت المادة 44 أن "لكل مواطن الحق في مقاومة الظلم ويحدد شكل المقاومة في الدستور..".
ب- حق المقاومة في الامم المتحدة
 أقر ميثاق الامم المتحدة في المادة الأولى منه: "حق تقرير المصير والمساواة في الحقوق بين الشعوب". وجاء في مادته 55 :"رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سلمية وودية بين الأمم المتحدة مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها".
- لعل التوصية رقم 1514 (15) حول منح الاستقلال للشعوب والأقاليم المستعمرة عام 1960، تشكل النص الأوضح والأكثر تقدما على هذا الصعيد، حيث جاء فيها:
"1- إن خضوع الشعوب للاستعباد الأجنبي أو سيطرته أو استغلاله يعتبر إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية ويناقض ميثاق الأمم المتحدة ويهدد قضية السلام والتعاون في العالم.
2- لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية نظامها السياسي وأن تسعى في ظل هذه الحرية إلى تحقيق نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
5- كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية أو سلامة إقليم أي بلد تعتبر منافية لأهداف ميثاق الأمم المتحدة.".
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3214) عام (1974م) وفيه نص صريح يشرّع حقّ الشـــعوب بالكفاح المسلح من أجل نيل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير.
رابعاً- المقاومة ومشروع الدولة: تكامل وتفاعل أم صراع وإلغاء؟
لا يمكن بناء الدولة الحديثة الا بحس مواطنية سليمة وصحيحة، تفترض المساواة بين الجميع، وتنشئ المؤسسات القانونية والدستورية والعامة التي لا تقيم فرقاً بين مواطن وآخر.
لكن، المقاومة والمواطنية الصحيحة صنوان لا ينفصلان، فالمواطنية الصحيحة التامة تستوجب لحفظ الحقوق أن يكون حق المقاومة مقدساً ومحفوظاً، وبهذا المعنى تصبح المقاومة حق وواجب على  المواطنين. إنها حق وواجب مكرّس في الاديان السماوية كما في القانون الوضعي وفي القوانين الدولية كما رأينا سابقاً.
المقاومة والمواطنية الصحيحة يتكاملان ويتفاعلان في المجتمعات، فكما تكون التربية على المواطنية الصحيحة حافزاً للشعب لرفض الظلم ع مما يؤدي الى المقاومة والمواجهة، يمكن للمقاومة أيضاً ان تشكل عاملاً توحيدياً يطمس ما تحته من انقسامات وتباينات وهويات تحت وطنية. أما حين يصبح خيار المقاومة عاملاً تقسيمياً، وحين تغدو الانقسامات المجمتعية من الحدة بمكان حيث تختلف المجموعات المكونة للدولة في نظرتها الى العدو وتختلف حول التاريخ والجغرافيا، فان المواطنية تكون ناقصة بامتياز.
وعليه، فإن ثقافة المقاومة يجب أن تكون نهج حياة للمواطنين المنتهكة حقوقهم وأرضهم، ويجب أن يصبح خيار المقاومة عاملاً موحداً للمواطنين، اذ ان التمايزات والاختلافات يجب تسقط عند أبواب التهديد الخارجي والظلم والعدوان وانتهاك حقوق الانسان. من هنا يمكن أن يصبح خيار المقاومة عاملاً للتوحيد في المجتمعات المتعددة والمجتمعات غير المتجانسة، مما يؤدي الى انتشار حس المواطنية الصحيح والترفع عن الاحقاد والضغائن والعصبيات الطائفية والمذهبية . وفي بعض الاحيان، ان ترسخ التربية المواطنية الصحيحة في مجتمعات كهذه تتعدد فيها الانتماءات الدينية والعرقية واللغوية أو الخيارات الثقافية والفكرية، قد يؤدي الى تعزيز خيار المقاومة وتقويته.
ولكن هنا يطرح التساؤل: هل تقاعس جزء من المواطنين عن واجبهم المقاوم، أو تنازلهم عن حقهم في المقاومة يؤدي الى اسقاط حق الاخرين في العمل المقاوم استناداً الى مبادئ المواطنية التي تقوم على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات، وعلى تكافؤ الفرص بين المواطنين دون تمييز؟
بالطبع لا، ان تقاعس جزء أو شريحة – مهما كانت كبيرة- عن العمل المقاوم لا يمكنه بأي حال من الاحوال أن يسقط حق المقاومة وواجبها المفروض على المواطنين الآخرين، ولا يؤدي الى اسقاط حق الفئات الاخرى ولو كانت أقل عدداً.  كما أن تقاعس جيل من الأجيال عن أداء واجبه المقاوم، لا يمكن أن يسقط حقوق الاجيال المقبلة في العمل المقاوم ورفض الظلم.
وهكذا نستنتج انه لا يمكن الفصل بين الدولة والمقاومة. فالدولة الحديثة من حيث هي دولة المواطنين، والتجسيد لإرادتهم تفترض من داخلها مبدأ المقاومة، أي التصدي لكل محاولات مصادرة هذه الإرادة  التي لا تستقيم من دون ضمان حق المقاومة.
وهذا الارتباط بين المقاومة والدولة هو أساس تنظيم الإرادة الشعبية على أسس قانونية وعقلانية سليمة، فالمقاومة تجسد المصدر الشعبي للسلطة، وتعبر عن إرادة المجتمع التي تكمن وراء الدولة وتضمن السير السليم لمؤسساتها، بينما الدولة تشكل التجسيد المؤسساتي لحكم الحرية والسيادة والقانون، ويحصل الانفصال والتعارض بين الدولة المقاومة فقط عندما يؤدي الواقع المأزوم الى إفسادهما معا وأفراغهما من مضمونهما. فينحط معنى الدولة عندما يطابق واقعها لفكرة التسلط والتفرد والاستئثار كما حصل في لبنان في الاعوام الاربعة الماضية، وينحط معنى المقاومة عندما تصبح قناعاً لمشاريع حروب أهلية، وذريعة لتشريع الميليشيات المناوئة لفكرة الدولة والسلطة المركزية، وهذا ما حاول البعض جر المقاومة اللبنانية اليه فلم تقع في الفخ.
 من هنا، يجب العمل الدائم على الانسجام بينهما، بوصفهما مبدأين ناظمين للحياة السياسية في عصرنا: مبدأ السيادة (للدولة) والحرية (للمجتمع). فبالحرية نضمن عدم ارتهان الدولة للقوى الخارجية، وبالسيادة نقي المقاومة من التحول إلى ميليشيا والخروج على القانون والشرعية.
 خاتمة:
في ظل الظروف الدولية الراهنة، وبعد ما حصل في لبنان والعراق وفلسطين، تغدو الحاجة ماسة إلى إعادة تأكيد المفاهيم الإنسانية السليمة للمقاومة، والحفاظ عليها حقوقاً إنسانية ثابتة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيم الحضارية وبحق الشعوب في تقرير مصيرها، والمحافظة على شرعية مقاومة الاحتلال الأجنبي واستعادة حقوق الشعوب المشروعة.
لقد بات من الضروري في عصرنا الحاضر تنظيف مفهوم حق المقاومة مما علق به من مفاهيم وأهمها "الارهاب"، فالارهاب مختلف جداً عن المقاومة ويبتعد الى أقصى الحدود عن هذا الحق البديهي والجوهري للشعوب. وقد التبس المفهومان وتداخلا في العلاقات الدولية لسببان اثنان: الاول ادعاء الارهابيين بأن ما يقومون به من قتل للمدنيين الابرياء يدخل ضمن حق المقاومة والثاني مصلحة الدول الكبرى في ربط المفهومان بعضهما ببعض من أجل ضرب المقاومات والدول الممانعة وتأليب الرأي العام عليها وحظرها.
في النهاية، نقترح على مؤتمركم الكريم ما يلي من توصيات:
1- التأكيد على خيار المقاومة الأهلية المتمثلة بالتحرير والتحرر معاً، وحيث لا سيادة للدولة ولا لحرية لأفرادها من دونها.
 2- اقرار مشروع متكامل لبناء دولنا على اسس حديثة، ونشره على مستوى المجتمع المدني مما يؤدي الى عدم الكفر بمفهوم الدولة كإطار شرعي وحيد لتنظيم الحياة الاجتماعية أو جزء كبير منها، وكسلطة وحيدة لاحتكار العنف الشرعي. 
3- التأسيس من أجل بناء وحدة عميقة بين الدولة كقاعدة للحياة القانونية والمؤسساتية التي تضمن حقوق الأفراد وحرياتهم وتطمئنهم عليها، وثقافة المقاومة التي تشكل الروح الوطنية في المجتمع.
4- اطلاق عملية إعادة بناء أخلاقية وقانونية وسياسية، تسمح بتخطي العصبيات الطائفية والمذهبية على مستوى المجتمع المدني ومستوى السلطة معاً، والتأسيس لمقاومة متكاملة، ينخرط فيها الجميع كل بحسب قدرته وامكاناته.
5- التأسيس لمشروع متكامل يوطد الثقة والتكامل بين المقاومات وحركات التحرر في العالم، وذلك من اجل بناء  "المقاومة التكاملية" بحيث يصبح نجاح أي مشروع مقاوم هنا، يؤدي الى استفادة هناك، وهكذا يتكامل العمل المقاوم مما يؤدي الى انهيار مشروع السيطرة والهيمنة على المنطقة.

[1]  قال السيد المسيح: "انما جئت أشهد للحق"
- 1   الاب الدكتور جورج مسوح، معنى الحياة في الرؤية المسيحية،مجلة تحولات، العدد السادس والعشرون، ايلول 2007               
1  www.islamonline.net


____________________________________________

2011/05/19

فلسطين: الشعب يريد.. واسرائيل ترتبك

كان الشعار الذي أطلقته الثورات العربية، "الشعب يريد..." مفتاحًا أساسيًا لتغييرات جوهرية باتت تنتشر في ارجاء الوطن العربي، ومنها ما اصاب القضية المركزية، قضية فلسطين بالتحديد، التي أعاد أبناؤها صياغة تعابير كالنكبة مثلاً فحولوها بدمائهم الى أمل جديد بعودة وانتصار.
بلا شك، كانت مؤشرات التطور التكنولوجي واتساع حركة وفاعلية المجتمع المدني في التأثيرعلى السياسات، قد برزت اثارها في وقت سابق في الغرب وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ويقظة القوميات وحركة الثورات الملونة التي انتشرت في اوروبا الشرقية والبلقان. وكما في الغرب، كذلك لدى العرب الذين يكتشفون اليوم، قدرة "الحركات المدنية السلمية" وفعاليتها في التغيير وفي صناعة التحولات، كما حصل في كل من مصر وتونس، بينما برزت بشكل واضح أن الحركات العنفية التي اعتمدت التخريب فشلت في سوريا، كما فشل وهم التغيير الداخلي من خلال الاستعانة بالخارج في ليبيا.
في عصر الانترنت والاعلام الفضائي، وعدم القدرة على احتكار الخبر والصورة، بات للحركات المدنية قوتها، وها هي تطل على فلسطين فتكشف زيف الادعاءات الاسرائيلية بالتفوق الاخلاقي، وبحق الدفاع عن النفس الاسرائيلية، وتكشف عمق وحيوية قضية فلسطين في الوجدان العربي العام. لقد باتت أشكال الحراك الجماهيري العربي لوحات إعلانية دائمة أمام الرأي العام العالمي، تعبّر عن وجدان الشعب العربي الرافض للاحتلال الاسرائيلي وتكشف عن وجود فجوة كبيرة بين ما كانت تقوم به الانظمة العربية تجاه اسرائيل، وبين نظرة الشعوب لها، حتى تلك التي كانت قد وقّعت اتفاقيات سلام معها.
خشي الاميركيون والاسرائيليون مما قد تحمله صور المسيرات السلمية نحو فلسطين والفظائع الاسرائيلية التي حصلت على الحدود من تأثير على الرأي العام العالمي المناهض للسياسات التوسعية والمتضامن مع القضايا العابرة للحدود ومنها قضية فلسطين، فاستعجلوا تحميل المقاومة والنظام السوري المسؤولية عما حصل. لم يستطع الغرب واسرائيل تحمّل خسارة اعلامية عالمية تضاف الى خساراتهم السابقة، وتضيف الى وهن الكيان وفقدان شرعيته الدولية، فسارعوا الى تحويل انتباره الرأي العام الغربي بتسويق فكرة المؤامرة، لان "المجتمع المدني" الغربي الداعم للقضية الفلسطينية، ليس منظمًا ولا مستقرًا، بل يقوى ويضعف بحسب الظروف المستجدة، فتظهر حماسته ويرتفع تحركه مع وقوع حدث كبير وانتشار صور الفظاعات التي يقوم بها الاسرائيليون عبر الشاشات وفي مواقع الانترنت، ويضعف - حتى يكاد يختفي- في حالات الاستقرار.
وعى الاسرائيليون والاميركيون أهمية مخاطبة العقل المدني الغربي قبل أن يعي العرب ذلك، فعرفوا كيف يخاطبوا هذا التيار الداعم للقضايا العربية، الاروروبي تحديدًا، بناء على بنيته وتنوع منطلقاته وأهدافه وحوافزه للتحرك، التي تتلخص بما يلي:
- أقلية قليلة لا يحسب لها حساب تعتبر اسرائيل كيانًا غير شرعي، يجب ازالته. وقد تراجعت هذه الفئة بعد اتفاقيات اوسلو وما بعدها من دورات تفاوضية.
- تيارات تتحرك بدافع اهتمامها بالعدالة وحقوق الإنسان، وتجد في انتهاكات اسرائيل للقوانين الدولية وحقوق الانسان الفلسطيني حافزًا لها للتحرك، كما يحركها اي انتهاك آخر لتلك الحقوق.
- تيارات يسارية تدعم القضية الفلسطينية انطلاقًا من ايديولوجيتها المناوئة للولايات المتحدة و"الهيمنة الامبريالية" التي لطالما خاضت معارك ضدها في نواحي شتى من العالم، ومنها حركات معاداة العولمة وغيرها.
-  تيارات تتحرك بدافع كرهها الفطري للحرب – أي حرب- وضرورة تحقيق السلام والأمن وحل النزاعات بالطرق السلمية.
- تيارات ناشطة ومؤيدة لأشكال المقاومة المختلفة للهيمنة والاحتلال والعنصرية كافة، وتساند المقاومة من منطلق حق الشعوب المشروع بمقاومة الاحتلال.
- تيارات تتحرك بدافع "كره الصهيونية" وأدواتها، ولكنها مع حق اسرائيل في الوجود وفي الامن، وتطالب بحل سلمي شامل بين الطرفين.
- تيارات تؤيد الشعب الفلسطيني وتؤيد حقه في الحرية وفي اقامة دولة يعيش فيها بسلام جنبًا الى جنب مع دولة اسرائيل.ولعل هذا الحل الذي يدعو الى دولتين تعيشان جنبًا الى جنب بسلام هو الحل الذي تتصوره معظم التيارات السابق ذكرها.
وبكل الاحوال، وبالرغم من محدوديتها وموسميتها، أثبتت التجارب أن لهذه التحركات المدنية قيمة معنوية عالمية لا يستهان بها، بل إن لها تاثيرات ايجابية ولو كانت محدودة في الضغط على صناع القرار في الغرب. لكن ذلك "الهيجان" التأييدي الانساني والموسمي، لم يستطع أن يصل يومًا إلى مستويات مُرضية تعبّرعن تأييد دائم وفعال، ولا يمكن الاتكال على تحركه من تلقاء نفسه، وهو لا يتحرك مؤازرًا ومساندًا إلا على وهج انتصارات ميدانية تفرض نفسها أو على وقع فظائع أومجازر كبرى يندى لها جبين البشرية. والاهم من ذلك هو يحتاج الى اعلام فاعل ينقل الصورة ويكشف الحقائق أمامه كما كانت تفعل سابقًا القنوات الفضائية العربية ومنها قناة الجزيرة قبل أن تنخرط في حياكة المؤامرات واسقاط الانظمة، وقبل أن تسقط بضربة شهود العيان القاضية تماما كما سقطت قبلها محكمة لبنان الدولية بضربة شهود الزور.
لكل هذه الاسباب، لم يتحرك العالم تضامنًا ورفضًا لما حصل على الحدود مع فلسطين من مجازر. ومع ذلك، ان مسيرة الزحف نحو فلسطين دلّت على ظهور عصر جديد باعتراف الاسرائيليين أنفسهم. أسقط الفلسطينيون حاجز الخوف ولن يكون ما قبل المسيرة مثل ما بعدها.
الشعب يريد تحرير فلسطين، الشعب يريد العودة الى دياره، الشعب يريد زوال الاحتلال.... شعارات حملها الشعب الفلسطيني وحمل معها وجع التهجير وسار الى الحدود مع الاراضي المحتلة، يطل عليها ويعدها بالعودة. سار الشعب نحو فلسطين، يحمل شعارات وان كانت بتعابيرها بسيطة شعبية، الا انها حملت مؤشرات عدة، أشارت الى انه  هناك بالفعل "شعب فلسطيني" يريد حقه بأرضه وهو ليس مجموعات متفرقة في الشتات. وان ما تنبأ عنه بن غوريون يومًا بأن القضية ستبلى وتموت بمرور الاجيال، هو وهم بدليل بقاء القضية في وجدان الشعب الفلسطيني الفتي ودفاعه عن حقه في العودة أكثر من مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية والقيادات الفلسطينية العتيقة.
على ابواب الاحتفال بتحرير الجنوب اللبناني في 25 أيار، فتح الفلسطينيون بابا جديدًا في مسيرة العودة الى فلسطين، ويومًا بعد يوم ستتآكل قدرة الردع الاسرائيلية تماما كما تتآكل شرعيتها، وشرعية وجودها ككيان قائم على أرض الغير بالقوة. إن أبلغ تعبيرعما تعيشه اسرائيل من خطر وجودي على كيانها هو ما وصفه  آري شافيت في مقال له في هآرتس، عندما قال "اسرائيل انتقلت من حركة قومية تملك شرعية بدون كيان، الى كيان بدون شرعية".

2011/05/10

كتاب التدخل الدولي_ في الصحف


العدد:الخميس 5 ايار 2011
الباب:كتاب
التاريخ:2011-05-10

إلى الزميلة ليلى نقولا الرحباني.. مع التقدير التدخل الدولي مفهوم في طور التبدل



 
في إنتاجها الجديد (التدخل الدولي - مفهوم في طور التبدل) تقدّم الزميلة ليلى نقولا الرحباني للمكتبة العربية عموماً، واللبنانية خصوصاً، مؤلفاً جديداً بشكل حاجة وضرورة ماستيْن، للباحثين والعاملين في مجالات العلاقات الدولية، ومفهوم "السيادة" الوطنية، الذي يتعرض لتحديات كبرى وخطيرة، إن لم نقل إلى ضرب وخرق.. وحتى إلغاء هذه السيادة التي بدأت تأخذ منحى تصاعدياً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي منذ العام 1990، وبدأت مع وصول المحافظين الجديد مع جورج بوش الابن إلى رئاسة الدولة العظمى الوحيدة بعد انهيار القطب السوفياتي، لتأخذ الشكل العملي لها بعد ضربة 11 ايلول 2001، التي أدت إلى غزو أفغانستان، ومن ثم غزو العراق عام 2003، وبالتالي باتت إمكانية التدخلات العسكرية والسياسية والاقتصادية أكبر بكثير. على أن الأخطر في إيجاد الذرائع والتبريرات لهذا التدخل والاحتلال، هو الأسباب الإنسانية وحقوق الإنسان، والديمقراطية وحرية التعبير، ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب..
كما صار هناك ذرائع متعددة للتدخل في شؤون الدول السيدة، باتت توصم بالإرهاب وتمويله، واحتضان المجموعات الإرهابية، ما يعني إيجاد الذرائع لوصم أي حركة تحرر لا تتوافق مع الأهداف الكولونيالة لليبرالية الرأسمالية المتوحشة، بالإرهاب والتخريب.. وأيضاً خلق الاشكال القانونية على المستوى الدولي، لملاحقة من لا يقدم ولاء الطاعة المطلقة لسيد الكون الجديد، على غرار المحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الدولية المختصة بهذا البلد أو ذاك، كمحكمة يوغوسلافيا ومحكمة رواندا ومحكمة رفيق الحريري وغيرها..
وبشكل عام، فإن كتاب (التدخل الدولي ـ مفهوم في طور التبدل) يسد نقصاً كبيراً في المكتبة اللبنانية والعربية، خصوصاً أن الزميلة الرحباني أدرجت حالات تطبيقية تمت فيها التدخلات الدولية، فدرستها وقدمت الأثر الذي أتت به هذه التدخلات، كما قدمت خلاصة هامة للنتائج التراكمية لقرارات مجلس الأمن وتجاربه.. الذي صار يهدد فعلاً السيادة الوطنية للدول.
لكن ذلك لا يعني بتاتاً أن الشعوب وقفت مكتوفة الأيدي، وصارت مكبلة لا حول لها ولا قوة.. والأمثلة كثيرة، لعل أبرزها قرار "السيد" الجديد للكون بالانسحاب من العراق وأفغانستان جراء المقاومة، وانتصار وصمود المقاومة في لبنان.
تبقى ملاحظة لا بد من الإشارة إليها في المناسبة، وإن كانت من خارج الموضوع، وهي أن غزارة إنتاج الزميلة ليلى نقولى الرحباني، سواء على موقعها الإلكتروني، أو من خلال كتاباتها في الإعلام المكتوب، جعلها محل متابعة واهتمام من كثير من الباحثين والمطلعين، ولعل في بحثها الوارد في جريدة (الثبات) في 8 نيسان الماضي، تحت عنوان (مقال غولدستون الاعتذاري.. مغالطات بالجملة)، والذي تناوله بعدها في الزميلة (السفير)، عبد الحسين شعبان، واقتطف مقاطع طويلة وهامة، من دون أن يشير إلى المصدر والكاتب.. دليل إضافي إلى ما ذهبت إليه.
(التدخل الدولي ـ مفهوم في طور التبدل) يقع في 296 صفحة من الحجم الكبير، وصادر عن منشورات الحلبي الحقوقية.


الكاتب: أحمد زين الدين



2011/05/05

هل ينهي مقتل بن لادن "الاسلاموفوبيا" في الغرب؟

ليلى نقولا الرحباني
شكّلت هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 فرصة ذهبية للمشروع الإمبراطوري الأميركي للهيمنة على العالم، وجعلت المحافظين الجدد يحكمون سيطرتهم على الإدارة الأميركية، ما أدى إلى تحول ملحوظ في السياسة الأميركية، فظهرت في قاموس السياسة الخارجية واستراتيجيا الأمن القومي مصطلحات جديدة أبرزها: «الهيمنة الأميركية الحميدة»، «تغيير أنظمة الحكم بالقوة»، «شرعية استخدام القوة العسكرية في حرب استباقية»، والتي ما لبثت أن تطورت إلى مفهوم الحرب الوقائية.
لكن تعثر المشروع الأميركي بفعل المقاومة التي أبدتها شعوب المنطقة، جعل الأميركيين يتحولون إلى صياغة سياسات "أذكى"، تسمح لهم بالسير في مشروعهم الإمبراطوري للسيطرة على العالم. وهكذا، أتى الرئيس الأميركي باراك أوباما وارثاً تركة ثقيلة، وعلى عاتقه تحقيق ما يلي:
1. استعادة هيبة ومكانة الولايات المتحدة على المستوى الدولي، بإعادة ترتيب العلاقات الأميركية مع الأطراف والتكتلات الدولية الفاعلة، واحتواء حالة العنف والكراهية تجاه أميركا في العالم بشكل عام، وفي العالميْن العربي والإسلامي بشكل خاص.
2. معالجة الزلزال البنيوي الداخلي الذي أحدثته أزمة الاسواق المالية، بهدف وقف التدهور واستعادة الثقة بوضع الاقتصاد الأميركي على طريق الإنعاش.
3. تخريج عملية الانسحاب من المغامرات العسكرية المكلفة مادياً وبشرياً، والتي تورطت فيها أميركا بفعل السياسات السابقة للرئيس بوش الابن باتجاه الاحتلال العسكري الأميركي لكل من العراق وأفغانستان.
4. مواجهة تعاظم الدور الإيراني، ومنع إيران من امتلاك الطاقة النووية، وتطويق معسكر المقاومة العربي الذي تشكّل سورية ركيزة أساسية له، وتطويق إمكانية تغلغل النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط.
وتحقيقاً لهذه الأهداف، أعلن الرئيس باراك أوباما استخدامه لاستراتيجية "القوة الذكية"، أي الاستخدام المتكامل لجميع عناصر القوة الأميركية في خدمة أهداف الأمن القومي الأميركي، مشيراً إلى أنه يتوجب على أميركا أن تعيد إحياء قدرتها على "زرع الأمل والإقناع" حول العالم، بدلاً من الاعتماد على قوتها العسكرية وحدها.
استطاع أوباما أن يدير سياسة الانكفاء المرحلي التي تمهد لانسحاب من الميدان بإشعال حرائق متنقلة، وصياغة خطة هجومية مرتدة على الواقع المستجد الذي طرأ في الشرق الأوسط بعد ثورات شعوبه، من خلال سياسة حددتها كلينتون بعنوان "التعاون والانفتاح على الجميع"، وهو ما حصل في كثير من البلدان العربية.. وهكذا نرى أن الأميركيين يحاولون الالتفاف على الثورات الشعبية التي حصلت في تونس ومصر، وذلك من خلال "هندسة" وصول حكم جديد لا يختلف في نظرته إلى الأميركيين وتعاونه معهم عمن سبقه.
إذاً، في التوقيت يأتى مقتل بن لادن "ضرورة" في وقت يريد فيه الأميركيون تغيير صورة "العدو" الذي اخترعوه بعد أحداث 11 أيلول. فبعد أن اختلق الغرب عدواً وهمياً جديداً لمحاربته، وهو الإسلام، يريدون اليوم التخفيف من غلواء "الاسلاموفوبيا" في الغرب، وذلك بعد أن تبين لهم أن التعاون مع جماعات الإخوان المسلمين قد يغدو وسيلة مناسبة لتمرير المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
ولعل ما كان لافتاً للانتباه خلال المشهد الثوري المصري، ذلك التركيز الغربي السياسي والإعلامي على الإخوان المسلمين، وحجمهم، وتضخيم دورهم في الثورة، ومحاولة تسويق صورة جديدة لهذه المجموعات كمسلمين "مودرن" يرحبون بالقيم الغربية، ويتشاطرون معها القيم نفسها، وقد واكب الإخوان المسلمون في مصر هذه الصورة بمقابلات مع الإعلام الغربي، كالمقابلة التي نشرت في (الفورين بوليسي)، والتي حدد فيها مسؤول الإخوان نظرته للعلاقة مع إسرائيل، معترفاً بحقها في الوجود، ومطالباً بالاعتراف به بالتوازي مع الاعتراف بحق الفلسطينيين.
وهكذا ينظّر بعض الاستراتيجيين الأميركيين للتحالف مع القوى الإسلامية في المنطقة، مرتكزين على تجربتهم مع حزب العدالة والتنمية في تركيا، الذي أظهر قدرة فائقة على حماية المصالح الغربية، وفي نفس الوقت اللعب على الحس الإسلامي في المنطقة، وكسب ود العرب والمسلمين من خلال شعارات تدعم القضية الفلسطينية.
بات خطر "الاسلاموفوبيا" المخترع عائقاً أمام الأميركيين والأوروبيين يمنعهم من التحالف مع مجموعات جديدة في المنطقة، كما أن حلفاءهم القديمين قد استنفدت مدة صلاحياتهم، وأدوا كل ما يمكن أن يؤدوه، وباتت كلفة حماية وجودهم كبيرة، ولهذا الغرض كان عليهم أن يعلنوا "موت العدو" الإسلامي المتطرف، وانتشار "الإسلام المعتدل"، الذي من الواجب التعامل معه والانفتاح نحوه، باعتباره ممثلاً شرعياً للثورات الشعبية التي قامت في كل من مصر وتونس، وذلك في خطوة تراجعية عن كل ما ساقوه في وسائل الإعلام من تضخيم لـ"الخطر الأصولي الإسلامي"، و"كرهه" لقيم الحضارة الغربية.
لا شك أن التخلص من الإسلاموفوبيا في الغرب يبدو أمراً مريحاً للعرب والمسلمين، الذين يعيشون في أووربا وأميركا، ويؤدي إلى التراجع عن غبن لاحق بالعرب والمسلمين منذ مدة، لكن المشكلة تكمن في أن يكون ثمن هذا التراجع شروطاً يضعها الأميركيون على المجموعات الإسلامية في المنطقة، لدعمها وإيصالها إلى السلطة، خصوصاً في مصر، فتمارس نفس سياسات مبارك السابقة التطبيعية مع إسرائيل، فمن يستطيع عندئذ أن يعيّرها بعدم شرعيتها بعد أن جاءت بأصوات الجماهير وصناديق الاقتراع، بغض النظر عن التزوير الذي يمكن أن يحصل في انتخابات كهذه، ولنا في الانتخابات النيابية اللبنانية نموذج حي عن "نزاهة وشفافية" الانتخابات التي تراقبها المنظمات الغربية.
استطاع الغرب من خلال ما حصل في البحرين وليبيا، وما يحصل في سورية من محاولات تخريب، أن يوقف المد الثوري الشعبي في العالم العربي، وينهي إمكانية تشكيل دومينو "ربيع عربي" واعد في المنطقة.. فهل يمكن أن يدفع العرب ثمن صورتهم الجديدة "المعتدلة"، بعد أن دفعوا أثمان تشويهها في العالم، بأن يفقدوا ربيعهم باكراً ويدخلوا في مرحلة الخريف، أم أنهم سينتصرون مجدداً كما انتصرت مقاوماتهم على مشاريع الهيمنة خلال العقد الماضي؟
•·       أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية