2024/12/16

سوريا: هل يستمر ربح اردوغان "التام"؟

 

توجس العديد من السوريين، ومعهم بعض الدول العربية مما قاله الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في اجتماع أمام أعضاء حزب العدالة التنمية في أنقرة "إن أولئك الذين يتساءلون عن دور تركيا في سوريا هم يجهلون التاريخ. فلو اختلفت الظروف حين تم ترسيم الحدود في منطقتنا بعد الحرب العالمية الأولى، فإن المدن التي نسميها حلب وإدلب وحماة ودمشق والرقة كانت ستكون محافظات تابعة لنا تماماً مثل غازينتاب وهاتاي وأرفا. وبما أن تلك المدن أصبحت خارج حدودنا، فإننا لم نقطع تماماً علاقاتنا مع أهلنا هناك."

 

هذه التصريحات، تذكر الى حدٍ بعيد، بتصريحات ممثالة في بداية الربيع العربي، خاصة في مؤتمر الأخوان المسلمين العالمي عام 2012، من قبل أعضاء من حزب العدالة والتنمية وأهمهم أحمد داوو أغلو الذي كان وزيراً للخارجية التركية حينها، قبل أن يصبح رئيساً للوزراء ثم ينفصل عن الحزب فيما بعد.

 

قد تكون التجربة المصرية في حكم مرسي، مؤشراً الى أنه لا يجب التسرع في الاحتفال بالحصول"على كل شيء" لان التطورات الاقليمية والدولية وحسابات الدول الفاعلة وقدراتها قد تقلب الأمور، وعلينا ان نورد بعض الملاحظات حول قدرة الاطراف الخارجية الفاعلة في المشهد السوري بالاضافة الى التركي الذي يبدو – لغاية الآن- بالاضافة الى اسرائيل، هو الرابح الأكبر.

 

1-  اسرائيل 

يبدو الاسرائيلي رابحاً أكبر حالياً في سوريا، بعد سيطرته على المنطقة العازلة، ووصوله الى قمم جبل الشيخ وتدمير كل مقومات الدفاع على الدولة السورية، ما يجعلها في المستقبل القريب والمتوسط دولة منزوعة السلاح، خاصة في ظل الازمة الاقتصادية التي تجعل من الصعب الانفاق على إعادة التسلح.

 

إن رغبة اسرائيل بتقسيم سوريا قد تضيف الى القلق التركي من مستقبل التقسيم في المنطقة ككل.

 

2- الولايات المتحدة

يرسم الاميركيون حالياً شرق أوسط جديد، لن يسمح فيه لأحد بأن يكون قوة اقليمية قادرة على تقويض الستاتيكو الاميركي الجديد، والتركي ليس استثناء.

دعم الاميركيون معارضات مسلحة متنوعة في سوريا، بالاضافة الى دعم قسد التي ساهمت في القضاء على داعش، ولن يسمحوا للتركي بالاستفراد بحكم سوريا، وهو ما نراه من تصريحات الخارجية الأميركية، كذلك من بيانات المسؤولين الأميركيين حول الشراكة في حكم سوريا.

 

زد على ذلك، ان ترامب وبصداقته المعروفة مع دول الخليج العربي، قد يعمد الى تغيير المشهد في حال شعرت تلك الدول بالخطر على أمنها القومي من صعود المد الاسلامي في سوريا، ما يقلق كلاً من مصر والاردن، وبعض الدول الخليجية.

 

3-الدول العربية الفاعلة

 

لا شكّ ان للدول العربية قدرات في التواصل مع السوريين سواء العشائر أو المعارضات المتنوعة أو الرموز السورية الاقتصادية والسياسية من خارج النفوذ التركي، ما يجعل استفراد التركي بالنفوذ في سوريا أصعب.

 

4- الاتحاد الأوروبي

يريد الاتحاد الأوروبي ان يعيد اللاجئين السوريين الى وطنهم، وبامكان الاتحاد المساهمة بقوة في إعادة الاعمار في سوريا وإزالة "جبهة النصرة وقيادييها" من لائحة الارهاب للتواصل معها والانفتاح على الحكم في سوريا.

 

ونظراً للتوتر الذي حصل بين اردوغان والاوربيين في وقت سابق، سيصر الأوروبيون على حكم تشاركي في سوريا، وعدم استفراد هيئة تحرير الشام بالحكم، قبل أن ينفتحوا على الحكم في دمشق.

 

5-  الروس والايرانيون

لدى الروس قدرة على وضع فيتو في مجلس الأمن، لمنع إزالة "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام حالياً) عن لائحة الارهاب الأممية، علمأ أن بقاءها على تلك اللائحة يصعّب قدرة العالم على التعامل معها، وعلى إعادة أعمار سوريا، ويبقي الأزمة الاقتصادية السورية هاجساً يقلق الحكم الجديد.

 

تتحدث التصريحات الروسية والايرانية عن معاودة التواصل مع الأتراك للتباحث في مستقبل سوريا. وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط ودول إفريقيا ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، قد اعلن أن موسكو تعول على عقد اجتماعات جديدة مع تركيا وإيران لإجراء مباحثات حول الوضع في سوريا.

 

أما الايرانيون فقد اعلنوا عن إمكانية عودة سفارتهم الى العمل في دمشق، بالرغم من الكلام الهجومي للجولاني (أحمد الشرع) حول أن العدو هي إيران وحزب الله.


2024/12/11

"إسرائيل" تحتل سوريا: دعم "النصرة" منذ عام 2013

أفادت إذاعة "الجيش" الإسرائيلي بأنّ سلاح الجو "هاجم 350 هدفاً في سوريا خلال الأيام الماضية"، في هجوم وصفته بأنّه "من أكبر الهجمات في تاريخنا". وذكرت الإذاعة، نقلاً عن مصدر عسكري، أنّ "سلاح الجو دمّر عشرات الطائرات الحربية السورية في هجماته".

 

وأكدت مصادر أمنية أن توغل "إسرائيل" العسكري في جنوبي سوريا وصل إلى نحو 25 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق. وأظهرت الخرائط سيطرة الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ، وعدد من القرى، والبلدات المحيطة بها داخل المنطقة منزوعة السلاح، بعمق يصل إلى 18 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

 

في السياق، نقلت "رويترز"، عن مصدرين أمنيين إقليميين، أن القوات الإسرائيلية وصلت إلى منطقة قطنا التي تقع على مسافة 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية، إلى الشرق من منطقة منزوعة السلاح تفصل هضبة الجولان المحتلة عن سوريا. ويقوم الجيش الإسرائيلي برفع السواتر الترابية في القنيطرة بعمق يصل إلى 3 كيلومترات.

 

وفي هذا الإطار، ليس من المستغرب صمت المجموعات المسلحة، التي سيطرت على سوريا، والتي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام". ففي خطابه من الجامع الأموي، أرسل قائد "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، رسائل إلى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وقال إن "مصالحكما مفهومة في سوريا الجديدة"، متوعداً، في أكثر من مناسبة، وفي المقابلة التلفزيونية، بمحاربة النفوذ الايراني في سوريا، في رسائل واضحة إلى الولايات المتحدة و"إسرائيل".

 

 منذ بداية الحرب في سوريا، تمهّد "إسرائيل" لهذه اللحظة، التي تقوم فيها باحتلال الأرض السورية، في ظل صمت سوري داخلي مطبق. في عام 2013، بدأت التقارير الغربية والإسرائيلية تتحدث بإسهاب عن علاقة جبهة النصرة ("هيئة تحرير الشام" حالياً) الوثيقة بـ"إسرائيل"، والدعم الذي تقدمه "إسرائيل" إلى "الجبهة"، التي هي جزء من تنظيم "القاعدة". ويمكن أن نذكر منها ما يلي:

 

- العلاج في مستشفيات "تل أبيب": خلال حربها ضد الجيش السوري، عالج الإسرائيليون مقاتلي جبهة النصرة في مستشفياتهم، وكانت صور نتنياهو انتشرت في الاعلام الإسرائيلي وهو يزور جرحى مقاتلي جبهة النصرة. وصرح المسؤولون الإسرائيليون بأن هذه المساعدة كانت مدفوعة بـ"أسباب إنسانية" والحاجة إلى استقرار منطقة "الحدود".

 

- الدعم، عسكرياً ومادياً: تذكر المصادر الإعلامية، ومنها "وول ستريت جورنال"، وغيرها من الوسائل الاعلامية الإسرائيلية، أن "إسرائيل" قدمت إلى جبهة النصرة دعماً، مادياً وعسكرياً. من الناحية المادية، قدمت "إسرائيل" المال من أجل دفع الرواتب وشراء السلاح والحاجات الأساسية للقتال، وقدمت إليها أيضاً الأسلحة والطعام والدعم اللوجستي.

 

وفي هذا الإطار، تذكر "تايمز أوف إسرائيل" أن "إسرائيل" كانت تنفذ ضربات جوية ضد قوات الجيش السوري وحلفائه لمساعدة مقاتلي جبهة النصرة على التقدم، ولمنع الجيش السوري من الانتصار على الإرهابيين.

 

وبرّر المسؤولون الإسرائيليون، ومنهم رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، عاموس يادلين، تعامل "إسرائيل" مع "القاعدة" (النصرة) بأن حزب الله والقوات الإيرانية تشكل تهديداً استراتيجياً أكبر لـ"إسرائيل" من الفصائل الارهابية المسلحة في سوريا. ويقول يادلين: "لم تقم القاعدة بضرب إسرائيل مطلقاً". وبشأن معالجة الجرحى في المستشفيات في "إسرائيل"، برّر يادلين ذلك بالأسباب "الإنسانية"، لكنه قال إن "إسرائيل" لا يمكن أن تقوم بالأمر نفسه مع مقاتلي حزب الله.

 

في كل الإحوال، إن مجرد ظهور الجولاني عبر قناة "سي أن أن"، وهو مطلوب بتهمة الإرهاب في الولايات المتحدة، ووضع الأميركيون سابقاً مبلغ 10 ملايين دولار لمن يعرف عنه شيئاً، يشي بكثير من المؤشرات بشأن المهمة التي على الجولاني تنفيذها في سوريا في المرحلة المقبلة.

 

إن استمرار الجولاني في الحديث عن أن سوريا ستكون للجميع، وأن "سوريا الجديدة" لن تكون ساحة للمحاور ولا للطائفية ولا للفساد، يشي بأن الرجل مكلّف مهمةً يجب ان يؤديها في هذه الفترة من الانتقال السياسي في سوريا، والتي من المرجح أن تكون فيها سوريا عرضة للفوضى.

 

وتتجلى تلك المهمة في استهداف المصالح الإيرانية والروسية في سوريا، ومنع الأكراد من السيطرة على مناطق تخوّلهم إقامة دويلتهم في سوريا، وتشكيل الظروف المواتية لتسهيل قدرة "إسرائيل" على تدمير سوريا في ظل انشغال العالم بالانتقال السياسي.

 

وعليه، سيستمر وجود الجولاني في السلطة ما دامت هناك حاجة إليه، تركياً وغربياً. فإذا استطاعت روسيا والدول العربية المحافظة على نفوذها، إن عبر العشائر العربية، أو عبر دعم فصائل أخرى من المعارضة، أو دعم "قسد"، فإن دور الجولاني سيستمر في محاولة إطاحة خصوم تركيا و"إسرائيل" والولايات المتحدة في سوريا.

 

أما إذا استطاعت المعارضة توحيد سوريا تحت سيطرة واحدة، وانتقلت سوريا إلى مرحلة تهدئة، فإن دور الجولاني سينتهي في سوريا، ليأتي بعده حكم سياسي يؤدي مهمة التطبيع مع "إسرائيل" والتخلي نهائياً عن الجولان السوري المحتل.

  

2024/12/05

خطة ترامب لأوكرانيا: الروسي غير مستعجل

في الاجتماع الأخير لحلف شمال الأطلسي حضّ الأمين العامّ للحلف مارك روته أعضاء الناتو على تزويد أوكرانيا بما يكفي من أسلحة لـ"تغيير مسار" الحرب. وقال إن على الحلف وأعضائه "تقديم دعم كافٍ لأوكرانيا لتغيير مسار هذه الحرب بشكل نهائي". وأوضح "هذا يعني أننا نريد أن نضع أوكرانيا في موقع قوة، حتى تتمكّن الحكومة الأوكرانية يوماً ما من الشروع في مفاوضات مع الروس".

 

لا شكّ، أنّ اندفاعة أعضاء الناتو لتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا مع رفض الاستجابة لطلبها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، تعكس الهواجس لدى هؤلاء من توجّه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الى إنهاء الدعم لأوكرانيا وإنهاء الحرب الدائرة هناك كما وعد خلال حملته الانتخابية.

 

وبالرغم من أن ترامب لم يكشف صراحة وبوضوح عن تصوّراته للحلّ، إلا أنّ تصريحات مساعديه تشي بأن هناك خطة تقضي بإقرار أوكرانيا بالتنازل عن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، وتعهّد غربيّ بعدم إدخال أوكرانيا إلى حلف الناتو مقابل إنهاء الحرب، وهو ما يقلق كلاً من الأوكرانيين ودول الناتو على حدٍ سواء.

 

وفي تحليل أجرته رويترز لتصريحات مستشاري ترامب اعتبرت أنهم سيسعون لحمل موسكو وكييف على التفاوض باستخدام أسلوب العصا والجزرة، بما في ذلك التلويح بوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا ما لم توافق على الاشتراك في المحادثات، أو تعزيز المساعدات المقدّمة إلى الأوكرانيين إذا رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التفاوض.

 

لكن من الصعب تأكيد قدرة آلية ترامب تلك في النجاح في دفع الروس للجلوس إلى طاولة المفاوضات بسهولة ووقف الحرب، للأسباب الآتية:

 

أولاً: إن التهديد بزيادة المساعدات إلى كييف لن يثني الروس عن وضع شروطهم ولن يدفعهم إلى وقف العملية العسكرية خلال فترة التفاوض. ستبقى الحرب دائرة حتى لو جلست الأطراف إلى طاولة المفاوضات وهو أمر أكيد بالنسبة للروس، لعلمهم أنّ الأمر قد يكون خديعة غربية لوقف الحرب ثم معاودتها بعد أن يكون الجيش الأوكراني قد استراح واستعدّ للمعركة من جديد.

 

بالنسبة للروس من الصعب جداً أن يثقوا بأيّ تعهّدات أميركية أو غربية، خاصة بعد تجربتهم في اتفاقيات مينسك، والتي اعترفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أنها كانت نوعاً من الخداع مارسوه لكسب الوقت لتجهيز الأوكرانيين للقتال.

 

الأمر الثاني الذي قد يدفع بوتين إلى المماطلة هو أن الروس لن يقبلوا إلا بما يسمّونه "تحرير الأقاليم الأربعة" التي يقطنها مواطنون من القوميات الروسية، والتي كانوا قد اعترفوا باستقلالها وتمّ ضمّها إلى الاتحاد الروسي، قبل الانتهاء من "تحرير" تلك الأقاليم أو من دون أن تعترف أوكرانيا باستقلالهم لن يكون هناك أمل في تقدّم المفاوضات وسيسعى الروس للمماطلة في الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

 

علماً أن الروس يسيطرون حالياً على نحو 80% من منطقة دونباس التي تضمّ دونيتسك ولوغانسك، بالإضافة إلى أكثر من 70% من زاباروجيا وخيرسون وأجزاء من منطقتي ميكولايف وخاركيف.

 

- الأمر الثالث هو أن الروس لا يبدون مستعجلين لوقف الحرب قبل تحقيق كامل الأهداف، فالخسائر العسكرية التي تتكبّدها كييف (القضاء على جيل بكامله في الحرب)، كذلك الخسائر الاقتصادية والضغوط التي تشكّلها الحرب الأوكرانية على السلطات السياسية والمجتمعات داخل الاتحاد الأوروبي تفيد الروس على المديّين المتوسط والبعيد.

 

وبالعودة إلى تعهّدات حلف الناتو بزيادة المساعدة العسكرية لأوكرانيا، والتي من الصعب أن تخلق فارقاً كبيراً في الحرب الدائرة في أوكرانيا، يبدو أنها قد تهدف إلى أمرين:

 

1- رغبة إدارة بايدن بإعطاء كييف القدرة على الصمود هذا الشتاء، لكي لا تنهار قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وذلك لتحميله مسؤولية انهيارها (تمهيداً لإدعاء الديمقراطيين أن كييف انهارت بسبب سياسات ترامب وعدم مساعدته لها). وهذا ما حصل في أفغانستان حيث تفاوضت إدارة ترامب مع طالبان لكن تمّ تأجيل الانسحاب، فتمّ على عهد بايدن الذي تحمّل مسؤولية الفوضى التي نتجت عن الانسحاب غير المنظّم.

 

2رغبة الأوروبيين وباقي أعضاء حلف الناتو بإعطاء كييف بعض الدعم لكي لا تهزم عسكرياً قبل الوصول إلى طاولة المفاوضات، ما يعطي الروس أرجحية واضحة لفرض الشروط والمطالب والتنازلات على كييف التي ستضطر للخضوع، وهذا يعني أن المساعدات العسكرية من حلف الناتو هي لإطالة أمد الحرب بعد أن أيقنوا عدم قدرة كييف على الانتصار فيها.

  

2024/11/28

إيران: هل للغرب مصلحة في إعادة تفعيل العقوبات الأممية؟

تمّ الإعلان أن نواب وزراء خارجية إيران والدول الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) سيشاركون في محادثات في سويسرا بشأن البرنامج النووي الإيراني، وذلك بعد أيام من إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً ينتقد إيران "لعدم تعاونها" في الملف النووي، وهو قرار اقترحته بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.

 

لم تفِ إدارة الرئيس بايدن بوعودها بالعودة إلى الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل آحادي عام 2018، وأعادت فرض عقوبات شديدة وواسعة على إيران، بموجب استراتيجية "الضغوط القصوى" التي كان يهدف من خلالها إلى دفع إيران للجلوس إلى الطاولة ومناقشة اتفاق جديد بشروط أفضل للولايات المتحدة كما تمّ الإعلان عنها حينها.

 

ردّت إيران على الانسحاب الأميركي بالاندفاع إلى تجاوز الحدود النووية المنصوص عليها في الاتفاق وإجراءات أخرى مثل زيادة مخزونات اليورانيوم المخصب ومعالجته إلى درجة نقاء انشطارية أعلى، وتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة لتسريع الإنتاج. واليوم، ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تتشدد الدول الأوروبية في تعاملها مع إيران، فتهدد بريطانيا بأنها ستسخدم آلية "سناب باك" أو ما يسمى آلية التفعيل التلقائي للعقوبات.

 

تنص آلية "سناب باك" على إعادة فرض عقوبات أممية على إيران كان  مجلس الأمن أقرّها في قرارات سابقة على إيران، وذلك في حال كان هناك "خرق هام" لالتزامات إيران بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 المعروف رسمياً باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) .

 

ويمكن لأي دولة مشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة تفعيل آلية "سناب باك"، وستدخل عقوبات الأمم المتحدة السابقة حيز التنفيذ تلقائياً بعد 30 يوماً من التقدم بالطلب، ما لم يصوّت مجلس الأمن على الاستمرار في رفع العقوبات.

لكن التصعيد الغربي بإعادة فرض العقوبات على إيران أمامه العديد من التحديات الجديدة المرتبطة بالتطورات الدولية التي حصلت خلال هذه الفترة الزمنية بين توقيع الاتفاق النووي والوضع الدولي الحالي، إذ من الصعب على الغربيين الحدّ من قدرة إيران على بيع نفطها، بالإضافة إلى انتهاء العديد من القيود الواردة في القرار 2231. على سبيل المثال، انتهت القيود المفروضة على عمليات نقل الأسلحة الإيرانية، كما انتهت القيود المفروضة على عمليات النقل المتعلقة بالطائرات من دون طيار والأسلحة والصواريخ الباليستية. وفي عام 2025، سوف تنتهي صلاحية البندين المتبقيين أيضاً: القيود المفروضة على عمليات النقل المتعلقة بالنووي وآلية التفعيل التلقائي نفسها.

 

بالإضافة إلى ذلك، من الصعب التصور أن كلاً من روسيا والصين، والهند ودول الجنوب العالمي ستلتزم بالعقوبات التي يطالب الغرب بإعادة تفعيلها على إيران، ولعل التجربة الغربية مع العقوبات على روسيا خير دليل على تناقص قدرة الغرب على فرض تصوراته على العالم في المرحلة الراهنة.

 

لكن، يبقى الهاجس الأساسي في قرار تشغيل snapback أنه سيؤدي إلى إعادة فرض العقوبات الأوروبية على إيران، علماً أن التأثير الاقتصادي على إيران في إعادة تفعيل العقوبات الأوروبية سيكون محدوداً نسبياً، إذ تخضع الشركات والمصارف وغالبية الكيانات الإيرانية لعقوبات من الولايات المتحدة، وبالرغم من أنها عقوبات آحادية، فلقد أثرت بشكل كبير على قدرة الشركات الغربية والشركات العالمية على الاستثمار في إيران.

 

أمر آخر يلعب لغير صالح تفعيل "سناب باك"، أن إيران التي تبدي حرصها الدائم على العودة إلى الاتفاق النووي، لا تبدو مستعدة لأن تبقي التصعيد الغربي ضدها من دون ردّ، وهو ما فعلته من خلال إعلانها أنها ستضع في الخدمة مجموعة من أجهزة الطرد المركزي «الجديدة والمتطورة»، رداً على قرار تبنّته "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

 

ويمكن أيضاً أن نذكر في هذا الإطار ما قاله علي لاريجاني، في منشور على منصة «إكس» من أن «إيران بدأت تخصيب اليورانيوم، ورفعت درجة نقاوته إلى أكثر من 60 في المئة" وأضاف أنه إذا أرادت الإدارة الأميركية الجديدة "ألا تمتلك طهران سلاحاً نووياً فعليها قبول شروطنا، مثل تعويض الخسائر، ومنح امتيازات أخرى للوصول إلى اتفاق جديد. و أوضح لاريجاني، أن «أميركا ألغت الاتفاق السابق وخرجت منه، وبهذا تسببت في خسائر لإيران".

 

وعليه، وبالرغم من كل التهديدات الغربية بإعادة تفعيل العقوبات الأممية، فإن الحفاظ على "خطة العمل الشاملة المشتركة"  والعودة إلى الاتفاق النووي هو من مصلحة الجميع على حدٍ سواء، وهو ما اعترف به الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي قال إن تداعيات عدم العودة إلى الاتفاق سيئة، لذلك ستتجه إدارته للعودة إليه.

  

2024/11/25

المعضلة الاسرائيلية: بقاء نتنياهو أو بقاء اسرائيل؟

بالرغم من كل الضغوط الأميركية والغربية، صدرت مذكرات توقيف من المحكمة الجنائيّة الدوليّة ضد بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، لاتهامهما بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بما في ذلك استخدام التجويع كآداة حرب.

وبعد صدور هذه المذكرات، وبعد تضييق الخناق عليه بقضايا قضائية في الداخل الاسرائيلي خرج نتنياهو بفيديو مدته تسع دقائق، بدا فيه مصدوماً ومحبطاً ومرتبكاً بحسب الصحافة الاسرائيلية وبرأي العديد من المعلقين الاسرائيليين.

وبالاضافة الى قضية المذكرات من المحكمة الجنائية الدولية، أمام نتنياهو العديد من القضايا الداخلية التي يحاول أن التملص منها، ابرزها ما يلي:

أ- قضايا الرشوة والفساد

عام 2021، تم توجيه اتهام رسمي لبنيامين نتنياهو بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة من قبله ومن قبل حلفائه السياسيين خلال ولايتيه الرابعة والخامسة كرئيس وزراء لإسرائيل. بدأت شرطة إسرائيل التحقيق مع نتنياهو في  كانون الأول/ ديسمبر 2016 وأوصت لاحقًا بتوجيه اتهامات ضده.

وهذه القضايا هي عبارة عن 3 قضايا منفصلة:

1)       القضية 1000، التي تم فتحها في كانون الأول / ديسمبر 2016،  تتعلق بهدايا وعطايا ثمينة تلقاها نتنياهو وزوجته من رجال أعمال أثرياء على مر السنين.

2)       القضية 2000 (المعروفة أيضًا باسم قضية نتنياهو-موزيس) هي تحقيق جنائي يتعلق بالعلاقة بين نتنياهو والناشر والمالك المسيطر لصحيفة يديعوت أحرونوت، أرنون موزيس. عرض موزيس على نتنياهو تغييرًا كبيرًا للأفضل في الطريقة التي يتم بها تغطية نتنياهو وأفراد عائلته في يديعوت أحرونوت، وتغييرًا للأسوأ في الطريقة التي يتم بها تغطية خصومه السياسيين. في المقابل، يجب على نتنياهو استخدام نفوذه لإقرار تشريع من شأنه أن يفرض قيودًا على صحيفة "إسرائيل اليوم" ويجلب فوائد مالية كبيرة لموزيس وأعماله.

3)       القضية 4000  تتعلق بشركة الاتصالات العملاقة بيزك حيث اتُهم نتنياهو بالاحتيال وخيانة الأمانة والرشوة في هذه القضية كونه استخدم نفوذه كوزير للاتصالات.

وفي 21 تشرين الثاني 2019، اتُهم نتنياهو رسميًا بالاحتيال وخيانة الأمانة في القضيتين 1000 و2000، وبالاحتيال وخيانة الأمانة وتلقي الرشاوى في القضية 4000.

في 5 كانون الأول 2023، وافق قضاة المحاكمة على تقليص عدد جلسات المحكمة إلى يومين في الأسبوع بسبب المخاوف الأمنية المتعلقة بالحرب في غزة، وكان من المقرر أن تعاود الجلسات في 2 كانون الأول 2024، قدم دفاع نتنياهو التماساً للتأجيل بسبب الحرب لغاية شباط 2025 لكن المحكمة رفضت، وطلب مكتب نتنياهو من الشاباك اعطائه تقريراً يشير الى عدم قدرته على المثول أمام المحكمة بسبب المخاطر الأمنية لكن الشاباك رفض ذلك.

ب- قضايا خلال حرب غزة:

1-       تسريب وثائق سرية بعد التلاعب بها: تم القبض على إيلي فيلدشتاين، المتحدث باسم مكتب نتنياهو، بتهمة تسريب وثائق سرية من الجيش الإسرائيلي إلى الصحافة الأجنبية. قالت القناة 12 الإسرائيلية إن المحققين يعتقدون أن سرقة الملفات السرية من قواعد بيانات الجيش، والتي تم تسريبها لاحقًا إلى أفراد في مكتب رئيس الوزراء، كانت "منهجية"، وأن فيلدشتاين، وبناءً على تعليمات من نتنياهو قام بهذه التسريبات بهدف التأثير على الرأي العام لمنع صفقة تبادل مع حماس في غزة.

2-       تزوير محاضر أمنية، حيث تم ابتزاز أحد الضباط وتهديده بصور مخلة للآداب، لتبديل بروتوكولات أمنية لتبرئة نتنياهو من اخفاقات أحداث السابع من تشرين الاول / اكتوبر.

وبعد كل هذه الملفات الداخلية والخارجية، وبعد اتهام الرئيس جو بايدن مباشرة لنتنياهو بأنه يستغل الحرب لمصالح شخصية، تكون اسرائيل أمام مفترق طرق:

-        فإما أن تقوم الدولة العميقة في اسرائيل بالتضحية بنتنياهو  وتستخدمه ككبش محرقة لمحاولة التملص من كل العار والعزلة التي تسببت بها الإبادة في غزة ولمحاولة ترميم صورة اسرائيل في العالم والخروج من الحرب وانهائها،

-        أو ينتصر نتنياهو على الدولة العميقة ويقود اسرائيل الى مزيد من الحروب التي لا طائل منها، والى مزيد العزلة الدولية والانهيار والتفتت الداخلي. 

2024/11/20

انتخابات 2024 والتحولات الاجتماعية في أميركا

 في كتابه "الأمم الأميركية"، والذي يعنى بشرح تاريخ الثقافات الإقليمية في أميركا الشمالية، يقول كولين وودارد "إن الولايات المتحدة بلد معقَّد بشكل لا يصدَّق"، وإن الأشياء الفعلية التي يحاول الناس وصفها بأنها مهمة وأساسية لهم غالباً لا تتطابق مع حدود الولايات التي يقطنونها.

على هذا الأساس، يمكن القول إن معرفة توجهات الناخبين في الولايات المتحدة الأميركية تنقسم الى ما يسمى "مناطق أحزمة"، بالاضافة الى الأمور التقليدية التي تهم الناخبين في العالم الغربي والدول الصناعية بصورة عامة.

فعلى سبيل المثال، شكّل الاقتصاد والهجرة غير الشرعية القلق الأساسي لدى الناخبين الأميركيين (وهي أمور مشتركة مع توجهات الناخبين الأوروبيين بشكل عام)، وتأتي في مرحلة متقدمة أيضاً سياسات "اليقظة"، وفيها دعم المثلية والتحوّل الجنسي وغيرهما، والتي باتت حديثاً تشكّل معياراً للتصويت وتعكس انقساماً بين اليمين المحافظ واليسار الليبرالي في الغرب بشكل عام.

بالعودة الى الأحزمة الأميركية، يعرّفها الكاتب وودارد بأنها "مساحات واسعة من البلاد تشترك في أشياء مشتركة لا تعكس واقعياً حدود الولايات"، وباتت تتم دراستها منذ عام 2016، حين فاز دونالد ترامب في ولايات "حزام الصدأ" بعد أن كانت تعرف تاريخياً بأنها ولايات ديمقراطية.

 

الأحزمة واتجاهات التصويت 2024

أ‌- حزام الشمس

 

هو مصطلح صاغه المحلل السياسي كيفن فيليبس في عام 1969 لوصف الولايات الجنوبية المشمسة، حيث كان الديمقراطيون البيض يهاجرون بعد حركة الحقوق المدنية. لا تحديد جغرافي دقيق لهذا الحزام، لكنه يمتد من فلوريدا إلى أجزاء من جنوبي كاليفورنيا، بما في ذلك ولايات تكساس ونيو مكسيكو وأريزونا، مع أطراف شمالية في كولورادو وكارولينا الشمالية.

في العقود الأخيرة، شهدت هذه الولايات نموًا سكانياً كبيراً، وأصبحت تشكّل وجهة الانتقال لاصحاب المصالح الأميركيين، بسبب الضرائب المنخفضة، وبيئة الاستثمار الجيدة التي توفرها، وفرص العمل، وانخفاض تكاليف المعيشة، والطقس. وعليه، أصبحت منطقة "حزام الشمس" منطقة رئيسة لصناعات، مثل التكنولوجيا والفضاء والطاقة، وهو ما يجعلها جزءاً نابضاً بالحياة وديناميكياً من البلاد. ويشكّل الاقتصاد والتخفيض الضريبي عاملاً مهماً في توجهات الناخبين، وهو ما يساعد على فوز الجمهوريين في معظم تلك الولايات.

 

وفاز دونالد ترامب في معظم الولايات التي تشكّل هذا الحزام، بحيث انضمت أريزونا إلى الولايات المتأرجحة الأخرى في حزام الشمس - نيفادا وجورجيا وكارولينا الشمالية - والولايات الثلاث في حزام الصدأ ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا، إلى التصويت للجمهوريين. كان من المتوقع أن تكون جميعها تنافسية للغاية، لكنها جميعا ذهبت إلى ترامب، وإن كان بهامش متقارب إلى حد ما.

 

ب‌-  حزام الصدأ

تحدد مساحة الأرض المعروفة باسم "حزام الصدأ" بأجزاء من ويسكونسن وإنديانا وإلينوي وميشيغان وميسوري وأوهايو وبنسلفانيا وفرجينيا الغربية وأجزاء من شمالي ولاية نيويورك. يعود استخدام هذا المصطلح إلى السباق الرئاسي لعام 1984، عندما زعم المرشح الديمقراطي والتر مونديل أن الرئيس رونالد ريغن "يحوّل منطقة الغرب الأوسط الصناعية إلى منطقة صدئة". ويقول الكاتب وودارد إن الصحافيين أخطأوا في سماع الاقتباس، وبدأوا في استخدام "حزام الصدأ" بشكل متكرر.

كانت هذه الولايات ذات يوم قلب التصنيع الأميركي، وخصوصاً في الصناعات مثل إنتاج الصلب وتصنيع السيارات والآلات الثقيلة، لكن العولمة أضرّت كثيراً بالقاطنين في تلك المناطق بعد أن رحلت الصناعات الى شرقي آسيا، وتسببت المنافسة الصينية بضرر كبير للصناعات الأميركية، بصورة عامة.

أهم الولايات المتأرجحة تلك الموجودة في "حزام الصدأ": بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، وكانت هذه الولايات تاريخياً معقل الحزب الديمقراطي، فمنذ التسعينيات حتى عام 2016، لم يخسر الحزب الديمقراطي مطلقاً ولاية بنسلفانيا أو ميشيغان أو ويسكونسن.

بحلول عام 2016، وبسبب الركود الاقتصادي المطول، أصبح الناخبون في تلك الولايات يشعرون بخيبة أمل متزايدة تجاه الحزب الديمقراطي. ساعدت وعود ترامب بـ "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وحروب التعرفات الجمركية واسعة النطاق، والحمائية التجارية، والجهود الرامية إلى إعادة وظائف التصنيع إلى "حزام الصدأ"، هؤلاء الناخبين على التحوّل نحو الحزب الجمهوري.

 

وخلال انتخابات 2024، عبّر الناخبون في تلك المناطق عن استيائهم من التضخم وارتفاع كلفة الإسكان خلال عهد جو بايدن، بحيث وصف تقرير لشبكة CNN عام 2023 بأنه "أصعب عام لشراء منزل منذ عام 1984". كل هذه العوامل أدت إلى زيادة عدم الرضا بين الناخبين في حزام الصدأ عن الحزب الديمقراطي.

 

ج – حزام "الكتاب المقدس"

تم صياغة مصطلح "حزام الكتاب المقدس" للمرة الأولى في عام 1924، وهو منطقة تقع في المقام الأول في جنوبي الولايات المتحدة، لوصف منطقة ذات قيم بروتستانتية محافظة، وفيها أعداد حضور في الكنائس المسيحية تتجاوز المتوسط الوطني. عدد المواطنين المتدينين الذين يعيشون في منطقة حزام الكتاب المقدس أعلى بشكل كبير عند مقارنته بمناطق أخرى من الولايات المتحدة، لذا من الطبيعي أن يحصد دونالد ترامب فيها النسبة الأكبر من الناخبين واصوات المجمع الانتخابي، بسبب تأييد الكنائس له.

 

بعد محاولة اغتياله، أعلن دونالد ترامب: "قال لي كثير من الناس إن الله أنقذ حياتي لسبب ما، وكان هذا السبب هو إنقاذ بلدنا واستعادة أميركا إلى عظمتها". هذه العبارة عُدّت من كثيرين من المتدينين على أنه تم اختياره من جانب الله.

وفقاً لاستطلاعات الرأي، أيد الناخبون البيض المتدينون من بروتستانت وكاثوليك ترامب بنسب عالية جداً، بينما أيّدت أغلبية السود البروتستانت كمالا هاريس. يُذكر أن الناخبين الإنجيليين البيض يشكلون تقريباً 27% من إجمالي الناخبين في الولايات المتحدة الأميركية.

كما حقق ترامب تقدماً بين الكاثوليك من أصول لاتينية، بينما حصلت هاريس على ما نسبته 80% من الناخبين اليهود (يشكّلون 2% من إجمالي الناخبين)، وابتعد الناخبون المسلمون عن الديمقراطيين، ويرجع ذلك على الأرجح إلى سياسات "اليقظة"، التي دعمتها هاريس بقوة، وموقف إدارة بايدن من الابادة التي ارتكبتها "إسرائيل" في الشرق الأوسط. 

2024/11/13

ترامب - نتنياهو: ما المتوقع من هذه العلاقة؟

ما هو ثابت ومعروف وواضح في الولايات المتحدة الأميركية أن الدعم لـ"إسرائيل" والالتزام بأمنها هو من ثوابت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وأن هذا الدعم يتخطى الانقسام الحزبي؛ إذ تنافس كل من كامالا هاريس ودونالد ترامب حول من هو الأفضل لـ"إسرائيل" خلال حملتهما الانتخابية.

 

واستمرت هاريس حتى اللحظات الأخيرة تبالغ في إظهار الدعم لـ"إسرائيل"، والدفاع عمّا سمّته "حقها في الدفاع عن نفسها"، وحين سئلت ما الذي ستغيّرينه في ولايتك عمّا فعله جو بايدن، قالت "لا شيء" أي الاستمرار بدعم الإبادة الإسرائيلية في غزة مع بعض الكلام الإنشائي حول المدنيين وإدخال المساعدات.

 

 وبخصوص إيران، كان موقف  هاريس أكثر حدة من موقف دونالد ترامب الذي قال إنه سيسعى لعقد اتفاق مع إيران، وأنه سيستخدم العقوبات لمرحلة، ولكنه سيزيلها لأنها تضر بالاقتصاد الأميركي وهيمنة الدولار، وأنه يجب منع إيران من امتلاك السلاح النووي، فيما أجابت هاريس عندما سُئلت عن العدو الرئيسي للولايات المتحدة في برنامج "60 دقيقة"، "أعتقد أن لدي اسماً واضحاً في ذهني، وهو إيران". وأضافت: "إيران لديها دماء أميركية على أيديها. هذا الهجوم على إسرائيل ب 200 صاروخ باليستي، ما نحتاج إلى القيام به لضمان عدم حصول إيران أبداً على القدرة على أن تكون قوة نووية، هذه واحدة من أولوياتي القصوى".

 

وبالنظر إلى سجل ترامب في الشرق الأوسط في الفترة الأولى من ولايته، يتوقع العديد من المراقبين أن يكون هناك اندفاع إسرائيلي أكبر نحو توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية منطلقين من خطة ترامب السابقة "صفقة القرن"، ونظراً لما قاله خلال حملته الانتخابية من أن "إسرائيل بقعة صغيرة" على الخريطة، وتساءل عما إذا كانت هناك "طريقة للحصول على المزيد" خلال لقاء في نيوجيرسي.

 

وبالرغم من إشادة نتنياهو بفوز ترامب وعودته إلى البيت الأبيض والمسارعة إلى تهنئته، فإن نظرة ترامب إلى نتنياهو وحديثه عنه يشيان بأنه لا يثق بنتنياهو، وأن العلاقة بين الطرفين لن تكون كما كانت خلال فترة ترامب الأولى، حتى لو كانت جيدة بالمجمل.

 

بعد خسارته الانتخابات الرئاسية عام 2020، ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي، أن ترامب كان غاضباً جداً من نتنياهو  واتهمه بعدم الوفاء، إذ أدرك ترامب أن نتنياهو كان أول شخص يهنئ بايدن، وعبر مقطع فيديو مصوّر وليس مجرد اتصال. وقال ترامب "الرجل الذي قدمت له الكثير أكثر من أي شخص آخر تعاملت معه... كان بإمكان بيبي أن يظل صامتاً. لقد ارتكب خطأً فادحاً". وتابع: "لقد أحببت بيبي. وما زلت أحب بيبي. ولكنني أحب الولاء أيضاً. وكان أول شخص هنأ بايدن هو بيبي. ولم يهنئه فقط، بل فعل ذلك على شريط مسجل".

 

وفي حديث إعلامي، في أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2023، حمّل ترامب، بايدن وإدارته عما حصل في "إسرائيل" وهجوم حماس، واستذكر ترامب ما سمّاه "خذلان نتنياهو" للأميركيين خلال عملية اغتيال قاسم سليماني عام 2020، فقال ترامب " "لن أنسى أبداً أن بيبي نتنياهو خذلنا. كان ذلك أمراً فظيعاً للغاية. كانت إسرائيل تنوي القيام بهذا معنا، وكان التخطيط والعمل جارياً منذ أشهر. لقد كان كل شيء جاهزاً، وفي الليلة التي سبقت وقوع الهجوم، تلقيت مكالمة تفيد بأن إسرائيل لن تشارك في هذا الهجوم".

 

لاحقاً، وبعد أن اشتدت الحملة الانتخابية، لم يعد ترامب يتحدث عن نتنياهو شخصياً، بل بات يتحدث عن ضرورة أن تنتصر "إسرائيل" وحمّل مسؤولية إطالة أمد الحرب إلى إدارة بايدن، وانتقد طلب وقف إطلاق النار قبل أن يسمحوا لـ"إسرائيل" بالانتصار. وفي مقابلة مع صحيفة "يسرائيل هيوم"، دعا ترامب "إسرائيل" إلى أن تنهي الحرب وقال "عليك أن تنهي حربك... عليك أن تنجزها. علينا أن نصل إلى السلام".

 

 وحذر ترامب من تأثير الصور التي تنتشر حول العالم، وقال على إسرائيل الحذر " لأنها تخسر الكثير من العالم، وتخسر الكثير من الدعم. يجب على إسرائيل أن تفعل ما يجب عليها فعله، ولكن علينا أن نصل إلى السلام، لأن العالم يتحوّل، وهذا ليس بالأمر الجيد بالنسبة إلى إسرائيل". وقال ترامب "يزعجني أن الناس لم يعودوا يتحدثون عن السابع من تشرين الأول/أكتوبر. إنهم يتحدثون عن مدى عدوانية إسرائيل".

 

وهكذا، وبالرغم من أن مشروعية التخوف من علاقة ترامب ونتنياهو على القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع ورغبة اليمين الإسرائيلي في استغلال وصول ترامب إلى السلطة؛ لأخذ ضوء أخضر أميركي لضمّ الضفة وإعادة بناء المستوطنات في قطاع غزة، لكن يبقى أن ما يحكم هذه العلاقة هو عدم قدرة نتنياهو على فرض شيء على ترامب لا يريده، بينما كانت علاقة بايدن مع نتنياهو علاقة القائد والتابع فكان نتنياهو يقود وإدارة بايدن تتبع.